قبل أسبوعين نوهت وأشدت في مقالتي بتحذيرات وزير المالية أنس الصالح حول مخاطر الخلل في الاقتصاد الوطني وتداعياته المستقبلية، والتي أثارها في جلسة مجلس الأمة الخاصة بتنويع مصادر الدخل، ولكوني ركزت على أحداث الجلسة لم أنتبه إلى ما عداها حتى وقع مؤخراً ومصادفة تحت نظري تصريح صحافي للوزير الصالح بعد الجلسة نفسها، أهم ما أثار اهتمامي فيه تأكيد الوزير أن لا نية للحكومة لفرض الضرائب على دخل الأفراد، وهنا تأكدت أن لا نية صادقة للحكومة وجدية في الإصلاح الاقتصادي، وأن هذا الكلام يعبر عن فكر غير مسؤول.

Ad

لا أعلم عن أي نموذج اقتصادي صالح يمكن أن ينفذه الوزير الصالح بدون التطبيق التدريجي للنظام الضريبي التكافلي، ولا أدري لماذا حكومة دولة الكويت تبرز وتروج لتوصيات صندوق النقد الدولي المتعلقة برفع الدعم وتخفيض الرواتب، وتحجب توصياته الملحة بشأن فرض نظام ضريبي في الكويت؟! فعندما يعمم الوزير الصالح أنه لن تفرض الضريبة على الكويتيين فإنه يمارس -عن غير قصد- تضليلاً للرأي العام، لأن المواطن الكويتي يملك صفة قانونية واحدة أمام القانون في ما يخص الحقوق المستحقة له وفقاً لما ينظمه القانون، وكذلك واجبات متشابهة تجاه المجتمع ووطنه وفقاً لقدراته الشخصية وملاءته المالية.

ولذلك لا يمكن أن تطلب خدمة العلم (التجنيد العسكري) من معاق أو مجنون، كما أنه لا يمكن فرض الضريبة على راتب الأرملة أو المتقاعد بمساواة من يمتلك ملايين الأمتار من أملاك الدولة، ويحولها إلى "مولات وكراجات" يجني من ورائها أرباحاً بمئات الملايين أو يملك بنكاً تضمن الدولة ودائعه وتحويل راتب الموظف الحكومي له حتى لو أبى، ولا يمكن فرض ضريبة على موظف دخله السنوي لا يتجاوز 25 ألف دينار بالمساواة مع من يبيع مجمعاً تجارياً في السالمية أو حولي بعشرات ملايين الدنانير ويسدد رسوماً تافهة للدولة لا يوجد في العالم مثيل لبخسها.

لذا فإن الترجمة الصحيحة لتصريح وزير المالية "لن نفرض ضرائب على الكويتيين" هي "لن نفرض ضرائب على المقتدرين الكويتيين"، وهو نهج مستمر وليس جديداً يعكس أن أصحاب القرار في مجلس الوزراء ومجلس الأمة في معظمهم ممن يمسهم ويستهدفهم أي نظام ضريبي لأصحاب الدخول العليا، ولذلك لن يقروا ذلك النظام أبداً حتى ولو أفلست الدولة، وهنا لا أعني الوزير الصالح بشخصه فهو يعبر عن هذا النهج المستمر من قبل أن يأتي للحكومة، وسيستخدم الكبار المتضررون من فرض الضريبة صوت "العامة" الذين يفزعونهم بكلمة الضرائب رغم أن معظمهم لن تمسه لو وضع نظام ضريبي عادل ومتدرج، بينما ما سيمسه فعلياً هو رفع الحكومة الدعم عن وقود الديزل فتزداد أسعار النقل وتزيد تكلفة رغيف الخبز وكل السلع على الأرملة والمتقاعد والملياردير بنفس المقدار، لكن بأثر مختلف على كل منهم، وهذا ما سيحدث أيضاً عند رفع شرائح استهلاك الكهرباء والماء واشتراكات الهاتف ورسوم الجوازات والبلدية... إلخ!

لذلك أرى أن الحديث عن الإصلاح الاقتصادي في الكويت هو "لعب وترقيع"، وأي نظام اقتصادي صالح للمستقبل بدون البدء بنظام ضريبي متدرج يبدأ بأصحاب الدخول العالية هو ضحك على الذقون، ورفع الدعم على السلع وزيادة الرسوم على الفئات المتوسطة ومحدودة الدخل هو نشاط جباية عشوائي ستكون له تداعيات اجتماعية وسياسية خطيرة في المستقبل القريب، ولذلك فإن أخذ المبادرة وسن نظام ضريبي هي البداية التي ستجعل الكويتيين عاجلاً أو آجلاً ينخرطون في الإصلاح الاقتصادي الحقيقي.

***

أسواق الأوراق المالية (البورصات) في قطر والإمارات والسعودية تمت ترقيتها إلى مرتبة الأسواق الناشئة المحترمة من مؤسسات مالية عالمية وفقاً لنظم ومعايير الرقابة الدولية، بينما "ربعنا المتنفذين" في الكويت فعلوا كل شيء لعودة سوقنا لوضعه سابقاً سائباً وأقرب إلى صالة قمار بلا ضوابط ولا رقابة لقطاع الطرق الأقوياء، يتم فيها النصب على صغار المستثمرين ونهب مدخرات متقاعد أو "تحويشة عمر" لمواطن على باب الله بعمليات وهمية ومضاربات الكبار وخداعهم، ولذلك حجبوا أموالهم لتتراجع مؤشرات البورصة، وساعدتهم حتى جهات حكومية في ذلك، وهم اليوم أقرب لتحقيق مرادهم عبر تغيير قانون هيئة أسواق المال!