التصعيد الخليجي الأخير كشف هشاشة المنظومة الإقليمية في جوانب كثيرة، أولها وأهمها على الإطلاق المظهر الخارجي المتورم من النفخ الإعلامي والبهرجة السياسية والبذخ المالي الذي قد يعكس تلك الصور واللقطات التي تجمع القادة، ويسوقها باعتبارها نموذجاً للوحدة والتكامل والتعالي على المصالح الضيقة من أجل أهداف عامة تصب في خدمة الملايين من مواطني دول الخليج وتحقيق أحلامهم وتطلعاتهم.

Ad

ما يعطي هذا الانطباع الجميل هو تلك الأغاني والأناشيد الفردية والجماعية والأمسيات الشعرية، وكتاب الصحف وعناوين نشرات الأخبار والمغردون على وسائل التواصل الاجتماعي التي طالما حفلت بالتفاؤل، وسطرت الملاحم وجسدّت الروح المشتركة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن اللقاءات التنسيقية بين الأجهزة والمؤسسات الحكومية وعلى مستويات متعددة، وفي مواضيع شتى على مدى أعوام طويلة، يفترض أنها تترجم مسارات العمل المشترك، وتفتح آفاق التفاؤل لمشروع كبير وطموح يملك كل مقومات النجاح وأسس البقاء والدوام.

ميثاق مجلس التعاون الخليجي بحد ذاته، وبما يتضمنه من مواد وبنود يضفي هالة كبيرة من المعاني والمضامين التي لو طبقت على أرض الواقع لتحولت منطقة الخليج إلى أيقونة إعجازية تبهر العالم، وربما تقوده إلى حيث ما تشاء وكيف ما تشاء.

هذا الكيان الظاهري لمجلس التعاون يشبه البشت المزين بالذهب الخالص والمصنوع من أفخر أنواع الصوف الذي ينافس في جودته ونعومته الحرير، ولكنه وضع على بدن عارٍ، اللهم إلا من ثياب بالية وممزقة قد تشمئز منها الأنظار لو أزيح عنها ذلك الرداء الأنيق.

لست بصدد تقييم المواقف الحكومية وتحميل مسؤولية هذا التخبط السياسي في العلاقات الخليجية- الخليجية، وليست خطوة سحب السفراء وتبادل الاتهامات بين "الأشقاء" سوى بداية نزع البشت المذهّب وبيان المستور!

فالسنوات الطويلة من العمل لم تستغل أو تستثمر لبناء الداخل الخليجي وإرساء قواعد اللحمة الحقيقية بين شعوب المنطقة، أو حتى حل الكثير من المشاكل القائمة منذ ذلك الحين بين الدول مثلما استغلت ثروات المنطقة التي لا يحدها حد من أجل تلميع الحكومات واستقرار أسر الحكم وحماية أركانها.

 وفي النتيجة فإن الشعوب الخليجية رغم تذمرها المستمر وانتقاداتها المتواصلة ويقينها بأن مسيرة التعاون الخليجي ليست موجهة إليها، ظلت تصفق وتهلل لحكامها على أمل أن تتعدّل الوجهة، ومع التصفيق لقادتها كان لزاماً التغزل والتهليل للقادة الأشقاء أيضاً باعتبار أنهم الرمز الوحدوي الذي تجب المحافظة عليه.

ولكن مع أول هفوة سياسية وبمجرد ظهور أول بيان سلبي خليجي انبرت الأقلام ونشطت التغريدات وانطلقت قريحة الشعراء لتكيل سيلاً من الانتقادات الحادة التي وصلت إلى درجة السباب والسخرية والتندر بالحكام أنفسهم من شعوب الحكام الآخرين، وهذا بالتأكيد سوف يكون مسماراً حاداً في نعش "الخليجي" إذا كان القادة فقط هم سر بقائه، وتلك نتيجة طبيعية لمقولة "الناس على دين ملوكهم"!