في خلال أيام معدودة سوف يصوت المصريون في الخارج على الاستفتاء على دستور 2014، وبعدها بأيام في 14 و15 يناير سوف يجري التصويت على هذا الدستور في كل ربوع مصر.

Ad

وهو ما يُلقي عليَّ واجباً في أن أفرد هذا المقال والمقال القادم إن كان للعمر بقية في دعوة المصريين في الكويت، إلى المشاركة في التصويت في هذا الاستفتاء، الذي سوف يكون بداية خارطة الطريق لمستقبل مصر، بعد ثورة 30 يونيو التي صححت مسار ثورة 25 يناير.

الدستور عقد اجتماعي

ذلك أن الدستور ليس قانوناً عادياً بل هو القانون الأساسي الأعلى الذي يرسي القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم ويحدد السلطات العامة، يرسم لها وظائفها، ويضع الحدود والقيود الضابطة لنشاطها، ويقرر الحريات والحقوق العامة، ويرتب الضمانات الأساسية لحمايتها، فهو موئلها وملاذها الحصين، وهو عقد اجتماعي بين الأمة والسلطات التي سوف تخرج من رحمه.

وبموجب الدستور وهو العقد الاجتماعي الذي تتوافق عليه الأمة، أصبح الحاكم لا يتمتع بحقوق تعلو على حقوق الأفراد، الذين يستطيعون باستمرار استخدام حقوقهم الطبيعية ضده، والثورة على الحاكم الطاغي.

الآلية الدستورية لعزل الرئيس

وقد وضع مشروع دستور 2014 الآلية الدستورية لعزل الحاكم الذي أخل بواجباته الدستورية، وأساء استخدام سلطاته، فقد أجازت المادة (161) من هذا المشروع لمجلس النواب اقتراح سحب الثقة من رئيس الجمهورية، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، بناءً على طلب مسبب وموقع عليه من أغلبية أعضاء مجلس النواب على الأقل، وموافقة ثلثي أعضائه.

وبمجرد الموافقة على اقتراح سحب الثقة، يطرح أمر سحب الثقة من رئيس الجمهورية وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة في استفتاء عام، بدعوة من رئيس مجلس الوزراء.

وقد خلا دستور 2012 من هذه الآلية لعزل الرئيس، بما يهدد مبادئ الشريعة الإسلامية التي تناولت في مباحث الإمامة، هيئة الحل والعقد باعتبارها المختصة بالنيابة عن الأمة في عقد البيعة للإمام صاحب السلطة العليا في الدولة لأنهم يعقدون أمر البيعة بالخلافة للخليفة.

وصلاحياتها نابعة من تفويض الأمة لها، بحكم ما لأفرادها من الزعامة والتأييد الجماهيري، فكلمتهم معبرة عن رأي الأمة، لأن المطلوب حصول التأييد والشوكة والسلطان للإمام في أمته. وقد شاع اختصاص واحد لهذه الهيئة، هو "العقد"، ونسي الأكثرون أن "الحل" هو أيضاً من مهام هذه الهيئة لأنهم يحلون ما عقدوه إذا ضعف الخليفة عن النهوض بالمهام، فهم إذاً الرقباء والمحاسبون، فأهل العقد في الشريعة الإسلامية، وفقاً للتسمية التي عرفت بها هذه الهيئة، هم أهل الحل أيضاً. وقد برر أنصار الرئيس المعزول بقاءه حتى انتهاء مدة الرئاسة التي كانت ستنتهي في 30/ 6/ 2016 رغم التوقيعات التي جاوزت الاثنين وعشرين مليوناً بسحب الثقة منه بأن الدستور لم يرد فيه نص بذلك، وأن من الواجب على الجميع احترام أحكام الدستور واحترام الشرعية التي اختزلوها في منصب الرئيس.

جماعة «الإخوان» الشعب المختار

ويرجع فشل الجماعة في إعداد دستور يليق بمصر، ويحقق أهداف الثورة ويلبي مطالبها في إقامة حكم ديمقراطي سليم يقوم على تداول السلطة لأنهم ببساطة لا يرون سوى أنفسهم على أرض مصر وأنهم الشعب المختار على هذه الأرض الطيبة، وأن السلطة وقد آلت إليهم، وأصبحت في أيديهم، فإن دونها خرط القتاد، وإنه إذا كان ليس لديهم خيار إلا وضع دستور، فإن عليهم توظيف الدستور وآلياته لضمان بقائهم في الحكم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

الضمانات للحقوق والحريات

وإذا كانت الدساتير تتشابه في ما تنص عليه من حقوق سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، فإن ما يفرق دستور 2014 عن دستور 2012، هو أن دستور 2014 أعاد الضمانات إلى هذه الحقوق.

فقد كانت هذه الحقوق في دستور 2012، كالطبل الأجوف وشعارات، مثل الشعارات التي أطلقها النظام الحاكم قبل 30 يونيو، بأن هذا الدستور، هو تطبيق لشرع الله، وقد وضع هذا الدستور من الآليات ما يخالف شرع الله.

كما خلا دستور 2012 من الضمانة الأساسية لحماية الحقوق والحريات، التي تكمن في قضاء يحميها، إذ تضمن الدستور عدواناً على القضاء، عندما عزل أكثر من ثلث أعضاء المحكمة الدستورية، والدساتير تحمي القضاة من العزل ولا تعزلهم، وكان هذا العزل بنص دستوري، مقدمه لعزل 3500 مستشار بمشروع قانون أعده مجلس الشورى المنحل.

"أليس القضاء هو الأمين على الأرواح والأنفس والحريات؟ أليس هو الحارس للشرف والعرض والمال؟ أليس من حق الناس أن يطمئنوا إلى أن كل ما هو عزيز عليهم يجد في كفالة القضاء أمنع حمى وأعز ملجأ؟

أوليس من حق الضعيف إذا ناله ضيم أو لحق به ظلم أن يطمئن إلى أنه أمام القضاء قوي بحقه، عزيز بنفسه مهما كان خصمه قوياً بماله أو جاهه أو سلطانه؟ أوليس من الحق أن يتساوى أمام قدس القضاء الحاكم والمحكوم، وأن ترعى حمى الجميع عين العدالة، ذلك ما سطرته المذكرة الإيضاحية لأول قانون لاستقلال القضاء صدر في عام 1943.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.