أستاذ الدراسات الإسلامية في الأزهر محمد شامة: تطبيق حدّ الحرابة يقضي على الاحتراب الأهلي

نشر في 12-07-2014 | 00:02
آخر تحديث 12-07-2014 | 00:02
No Image Caption
أكد أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة {الأزهر} الدكتور محمد عبدالغني شامة، أن تطبيق حدّ الحرابة كفيل بالقضاء على الاحتراب الأهلي في العالم العربي، محذراً في حواره مع {الجريدة} من أن الغرب أتقن استخدام الفتنة كوسيلة ناجحة في اختراق المجتمعات العربية وبث الفتنة بين السنة والشيعة، لضمان عدم وحدة الصف المسلم. وأكد أن الخروج على الحاكم الظالم مباح ومن يحرمه لا يفهم روح الإسلام. مطالباً بضرورة نشر فقه الممكن وفقه الحياة لوأد الفتنة قبل اشتعالها، وتبصير الناس بمخاطرها، من خلال وسائل التربية وتطوير التعليم، باعتبارها البداية الصحيحة لمحاصرة أفكار التشدد والتطرف. في ما يلي نص الحوار.
 ما هو مفهوم الفتنة في الإسلام؟

الفتنة هي العمل الذي يثير فوضى بين المسلمين، بهدف تفريق جمعهم وتفتيت وحدتهم، بأن تضرب بعضهم بالبعض الآخر، أو أن تحرض على القتل بينهم، لذلك جاء التحذير القرآني من الفتنة لأنها أشد من القتل، فالقاتل ربما يقتل فرداً أو اثنين، لكن الفتنة تصيب المجتمع كله وتتركه خراباً خلفها.

كيف رصد القرآن والسنة ظاهرة الفتنة وتصديا لها؟

رصد القرآن الفتنة في مواضع كثيرة، وتحدث عنها صراحة محذراً من مخاطرها، كذلك السنة النبوية رصدت الفتنة من خلال النهي عن الكذب، لأنه أحد أهم عوامل انتشار الفتنة، ولولا الكذب لما وجدت الفتنة ضالتها بين الناس، فالفتنة كمصطلح في السنة النبوية يعني الخبر الكاذب، فعندما يشيع الإنسان الكذب يشيع البلبة وتشيع الفوضى والشحناء بين الناس، ويقول رسول الله (ص): {لا يزال الرجل يكذب حتى يكتب عند الله كذاباً}، فالتحذير هنا من الكذب باعتباره صفة مذمومة هي إحدى وسائل الفتنة للتسلل إلى المجتمع، ثم تحكم قبضتها عليه فتقضي على عناصره الحية.

ما دور علماء المسلمين في التصدي للفتنة؟

الإمام محمد عبده صك جملة عبقرية تقول: {الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها}، وهي للحق مقولة بليغة، تصور أن الفتنة عندما تدخل مجتمعاً تغير الوضع الذي كان مستقراً، في ظل توافر الأمن المجتمعي بين المسلمين، إلى أوضاع تكرس للفوضى والاقتتال الداخلي.

ألم يضع الإسلام قواعد لمواجهة الفتنة؟

وضع الكثير من القواعد والضوابط لتجنب الانخراط في هوة الفتنة، وبشكل صريح، أمر باعتزال الفتنة، ونصح المسلم بألا يردد الإشاعات، ولا يتناول إلا الحقائق بعد التأكد من صحتها، لذلك كانت المشاركة في ثورات الربيع العربي في بدايتها، عندما كانت ثورات حقيقية، تعبر عن مظلومية حقيقية للشعوب العربية، لكنها مع الوقت تحولت إلى محض فوضى تهدد بابتلاع الدول العربية، بعدما سيطرت قوى غوغائية على المشهد الثوري.

رغم ذلك، تطل فتنة الاحتراب الأهلي بوجهها بقوة على المشهد العربي.

الحرب الأهلية معناها أن فرقاء داخل الوطن الواحد، يريد كل منهم فرض رأيه على الجميع بالقوة، وهذا ممنوع في الإسلام. لكن بعضاً ممن ينتمون إلى الإسلام يعتقدون أنهم المتحدثون باسم الله، ومن هنا تدخل فتنة الاحتراب الأهلي، وبسبب هذا الفكر المعوج، كادت مصر أن تقع في فتنة الحرب الأهلية بسبب أفكار جماعة {الإخوان} الإرهابية، لكن الله سلم وجنبها هذه الفتنة، بعدما قيد لمصر الجيش القوي الذي حمى البلاد من ويلات الحرب الأهلية، عكس ما يحدث في سورية التي انزلقت في آتون الحرب الأهلية المدمرة، من هنا يجب على المتحدثين باسم الإسلام أن يعلموا بأن المتحدث الرسمي للإسلام، هو محمد (ص) فقط، أما البقية فهم يتحدثون عن فهمهم للإسلام، لذا أتجادل كثيراً أثناء مناقشاتي مع المثقفين الغربيين، خصوصاً الذين يقولون لي إن اختلاف الآراء ووجهات النظر في الإسلام كثيرة، وهذا عيب فكري، فأردّ عليهم أن ما يرونه عيباً هو في حقيقته ميزة حقيقية للإسلام، لأن أتباع الإسلام يأخذون ما يناسب ظروف كل منهم، شريطة أن تكون تلك الآراء محل توافق جمهور العلماء وليست من الأفكار الشاذة.

لكن البعض يستغلّ تلك الأفكار الشاذة لإطلاق فتنة التكفير على المخالفين في الرأي.

هذا صحيح للأسف، فبعض الجماعات التكفيرية لا يعتمد إلا على الأفكار الشاذة محل رفض جمهور العلماء، لتكفير عموم المسلمين، رغم أن حكم الكفر على شخص لا يمكن إطلاقاً إلا على شخص أنكر صحيح القرآن وصحيح السنة النبوية، وما عدا ذلك من تفسيرات وتوجهات وآراء، فهذا ليس بحكم بل فتنة، غرضها تدمير بنية المجتمعات العربية والإسلامية.

هل هذا ينطبق على الوضع في سورية؟

أريد أن أسترجع معك قول الحق سبحانة وتعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (الحجرات: 9)، فكان لا بد في بداية المرحلة الثورية المشتبكة في سورية إصلاح ما بين فرقاء المشهد، من خلال عدم ترجيح طائفة على أخرى بدعم مادي حربي، لكن العكس حدث، وهذا خطأ وقعت فيه دول إسلامية منذ بداية الأزمة، حتى تلاشى تماماً الهدف الأساسي وهو ثورة شعب، وأصبح فتنة تهدم كل شيء والجميع يخسر فيها، وعمت الفوضى وأصبحت سورية الآن مرتعاً خصباً لكل الأطراف الدولية المتصارعة والعناصر المتطرفة التي تجمعت من شتى بقاع الأرض. احتواء الأزمة في سورية لا بد من أن يبدأ بجمع فرقاء المشهد السوري على طاولة واحدة، شريطة ابتعاد الغرب تماماً عن الملف السوري.

الأزمة السورية لها وجه طائفي، فكيف ترى الصراع السني- الشيعي؟

صنع الغرب الفتنة بين السنة والشيعة لتقسيم وحدة المسلمين وإلهائهم بالصراع الداخلي في ما بينهم، كي لا تحدث وحدة هدف بين المسلمين، ما يمثل قوة لها خطورتها على المشروع الغربي في الهيمنة على المنطقة والعالم كله، لذلك لا أرى أي معنى للخلاف بين السنة والشيعة، فالاختلاف في الآراء لا يعني حرب التكفير التي نراها الآن ويستخدم الديني فيها لخدمة السياسي.

كيف استخدم الغرب الفتنة في تقسيم البلاد الإسلامية؟

أتقن الغرب استخدام الفتنة، كوسيلة ناجحة، في اختراق المجتمعات العربية، وتدميرها من الداخل، فمثلاً عندما دخلت أميركا العراق واحتلته، لم يتصد أي حاكم عربي لهذا العدوان، كي لا يتمكن الأميركيون من فرض سيطرتهم على هذه البقعة المهمة من العالم الإسلامي، ثم جاءت الخطوة التالية من الغرب عبر إذكاء الفتنة المذهبية بين السنة والشيعة، في إطار رؤية غربية تسعى إلى وأد أي محاولة لنهوض الشرق الإسلامي باتباع سياسة فرق تسد، فقد تناول ياول شمتز في كتابه {الإسلام... قوة الغد العالمية}، الذي ترجمته، كيف أن أوروبا تنتبه جيداً إلى أن وحدة الشرق مرفوضة تماماً لأنها الخطر الأكبر على وجود القارة العجوز.

هل يمكن إعادة النظر إلى تراث الاستشراق في ضوء خدمته للمشاريع الغربية المعادية للمسلمين؟

لا يمكن الحكم على جميع المستشرقين بأنهم وراء ذيوع فكر الفتنة بين المسلمين والترويج له، فجيد الاستشراق جيد وسيئه سيئ، وعلينا أن نعمل العقل في كل ما يأتي به الاستشراق من أبحاث عن الإسلام، فالبعض منهم قدم نظرات إيجابية عنا، لذلك أقول دائماً إننا إذا رأينا مستشرقاً يعرض في أبحاثه النظرية الإيجابية عن الإسلام ألا نعيره اهتماماً زائداً، لأنه لن يضيف إلى الإسلام شيئاً.

ما الحدود الفاصلة بين الثورة والهوجة والفتنة؟

الفتنة، كما قلنا، غرضها إشاعة الفوضى والبلبلة وتمزيق وحدة الأمة، وصاحبها شخص خفي لا يفضل الظهور أو المواجهة، أما الثورة فهي احتجاج الفرد على الظلم، وإجبار الحاكم على رفع هذا الظلم. وهنا نتبين الفرق بين الظاهرتين، فالأولى توصم مروجها بالخائن بين الناس، والثانية تدعو مفجرها إلى الفخر والبطولة والشجاعة. أما الهوجة فتتميز بعدم وجود قائد لها، ولا يجمع المشاركين فيها هدف واحد، فـ{الهوجة} تتميز بأنها إحدى الظواهر الاحتجاجية المدمرة، لأن أضرارها على المجتمع سيئة وخطيرة على مستوى البناء الاجتماعي.

كيف نفرق بين الاحتراب الأهلي وبين العصيان المدني؟

أرفض ما يسمى بالعصيان المدني لأنها حركة تشل المجتمع وتسعى إلى القضاء على أركانه، فهو ينخر في المجتمع حتى يتهالك وينهار، ولا يستطيع بعد ذلك مواجهة الأعداء. أما الاحتراب الأهلي فهو محرم في الإسلام حتى وإن كان الهدف من ورائه إظهار الحق. للقضاء على الاحتراب الأهلي يجب تطبيق حد الحرابة لمثل هذه الجرائم، لأن المقصد العقابي الذي جاء به القرآن يهدف إلى حماية المجتمع.

ما رأيك في من يساوي بين الفتنة وبين عملية الخروج على الحاكم؟

لا بد من توضيح الفروق الجوهرية بين الفتنة وبين الخروج على الحاكم، فالأخير يأتي في حالة سلوك الحاكم لطريق غير سوي، هنا يباح الخروج عليه، وعندما يقف الثائر في وجه الحاكم الظالم ويقول له مواجهة ومجاهرة: أنت ظالم، تنتفي صفة الفتنة، أما من يردد بأن الخروج على الحاكم حرام شرعاً، فلا يفهم روح الإسلام الحقيقية، التي تحض على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتحضرنا مقولة خليفة رسول الله، الصديق أبي بكر: {أني وليت عليكم ولست بخيركم، إن أسات فقوموني، وإن أحسنت فأعينوني}، فهي تضع دستور تقويم المحكوم للحاكم، وتشكل مفهوم المعارضة نفسه في الحضارة الغربية، فالمعارضة بغرض التقويم والإصلاح نظام سبق به الإسلام الغرب بقرون، مع ذلك يجب أن يكون واضحاً أن الإسلام لم يضع نظاماً للحكم بل وضع أهدافاً للحكم، من بينها حماية الحريات وإقرار العدالة بين الجميع.

إذا عدنا إلى الماضي، كيف تقيّم تأثير الفتنة الكبرى على مجريات التاريخ الإسلامي؟

المتابع الجيد للفتنة الكبرى التي جرت وقائعها الأساسية في الصراع على السلطة بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، يتأكد له أنها كانت فتنة سياسية لا دينية، لذا اختلفت سياسة علي في معالجة أمور الدنيا عن سياسة معاوية. ولكن المشكلة تكمن في وجود اختلافات بعيدة عن جوهر وعقيدة الإسلام في أمور دنيوية.

لماذا وصم مؤرخو السلطة كل حركة اجتماعية بأنها فتنة وحاربوها؟

هكذا هم بطانة السلطان، فكل حركة مخالفة تهدد مصالحهم الشخصية يسمونها فتنة، وعلى المتابع الجيد التفريق بين الآراء وبين اختيار الموثوق منها، ومع ذلك فالتاريخ يقضي على هذه الفئة من المؤرخين ولا يستطيعون تغيير الحقيقة إلى الأبد. الحقيقة تنتصر في النهاية وتفرض إيقاعها على الجميع، لذلك ترى أن ثمة قوى رجعية ترفض أي محاولة للتجديد وتتهم القيمين عليها بمحاولة إشاعة الفتنة في المجتمع، لكن لا بد من التأكيد على أن التجديد ينقسم إلى تجديد يدافع عن الإسلام، وآخر يريد الانسلاخ من الإسلام، والأخير مرفوض قطعاً، لكنه يواجه من خلال النقاش والرد عليه بالحجة والعقل، لا غلق باب التجديد أمام الجميع  فيُحرم المجتمع من ثمرة التجديد الإيجابي الذي يدفعه إلى الأمام.

هل صحيح أن السلفيين حصروا الفتنة في المال والنساء؟

هذا هو المشهور عن جماعة السلفيين، فهم يتحدثون عن المرأة باعتبارها فتنة، مع أنها ليست كما يدعون. كانت المرأة تجلس في مجلس رسول الله (ص) وتروي الحديث عنه، ولم نجد، على مرّ التاريخ، أن العلماء طعنوا في رواية حديث منقول عن امرأة، فالنساء هن شقائق الرجال، ويشكلن نصف أي مجتمع، ولا يمكن إهدار هذه الطاقة بحجة دعاوى غير إسلامية. والاستفادة من النساء في عملية دفع المجتمع يجب ألا تتم إلا في حدود العادات والتقاليد التي لا تخرج عما شرعه الإسلام، وقد تصديت إلى بعض مزاعم السلفية في كتاب لي، بينت فيه أباطيلهم وأكدت أن النقاب عادة وليس عبادة، ووقتها قامت الدنيا عليّ من رموز السلفيين، واتهموني بمحاربة الإسلام. تصرف متوقع منهم لأنهم أهل عبادة شكلية تهتم بالمظهر ولا تلقي بالاً لجوهر الإسلام.

كيف نبني مجتمعاً إسلامياً خالياً من الفتنة؟

لا بد من التربية لأنها أساس وأد الفتنة في مهدها، فالبسطاء والغافلون ينقادون وراء الفتنة، وأحياناً كثيرة أصحاب الهوى والمصلحة الخاصة، لذا يجب تفعيل دور التربية الإسلامية المعتدلة التي تتصدى لمفاهيم الفتنة وتفككها، ويؤدي الإعلام الدور الأكبر في بناء مجتمع خالٍ من الفتنة، من هنا يتحتم علينا نشر فقه الممكن وفقه الحياة لمحاصرة الأفكار المتشددة التي انتشرت في المجتمعات العربية، والبدء ببناء مستقبل أفضل من خلال توفير تعليم جيد وفرص عمل تحترم آدميتنا وتوفر حياة كريمة للجميع.

في سطور

أستاذ الدراسات الإسلامية في}الأزهر} محمد شامة من مواليد 1932، القليوبية- مصر. حائز إجازة في اللغة العربية قسم فلسفة (1960)، ودكتوراه في مقارنة الأديان في جامعة برلين الغربية. درّس في جامعات إفريقية وأوروبية وآسيوية، وشغل منصب وكيل كلية الدعوة في جامعة الأزهر (1983 – 1984)، ومنصب مستشار ثقافي لوزير الأوقاف المصري. راهناً هو أستاذ الدراسات الإسلامية باللغة الألمانية في كلية اللغات والترجمة في جامعة الأزهر وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية. له أكثر من 28 كتاباً بين تحقيق وترجمة وتأليف بلغات عدة، من بينها ترجمته لكتاب {الإسلام قوة الغد العالميّة}.

من مؤلفاته: {الحسد في القرآن الكريم بين الحقيقة والأسطورة}، {الإسلام كما ينبغي أن نعرفه}، و}الدعوة إلى الإسلام}.

back to top