منذ أن صدر قانون كشف الذمة المالية بمرسوم ضرورة في خريف 2012 وأنا أشك في إرادة الحكومة تطبيقَه، وكذلك في جدية السلطة حياله، رغم أن كوارث البلد كلها سببها، كان ومازال، المال السياسي والصراع على فوائض النفط وثروة الديرة، ورغم أن ما تفجر من أزمات ومواجهات وتشكيك في نزاهة مؤسسات الدولة كان سببه قضايا مالية تتطلب مواجهتها، فإن ذلك لم يتم بسبب القوة القاهرة الخفية التي تمنع التصدي للمال السياسي، وتعتبره شريانها الذي يمدها بالحياة وبدونه ستموت وتُقصى من الحياة السياسية، ولذلك تقاوم تطبيق القانون بشراسة، وتحاول قدر الإمكان اختراقه عبر لائحته الداخلية.

Ad

وها هي قضية جديدة تتفجر تتعلق بتعاملات النواب مع الدولة وشراء مقتنيات بمبالغ كبيرة، هذه المرة مع النائب علي العمير وشرائه لشاليه من أملاك الدولة في الصبية، ورغم أننا لا نشكك في ذمة النائب العمير ونزاهته، فإن غياب تطبيق قانون الذمة المالية و"من أين لك هذا؟" يضع كل صاحب موقع قيادي أو نيابي أو قضائي في مواقع الشك والريبة، ويدمر مصداقية مؤسسات الدولة الدستورية والثقة فيها، وهي حالة دائماً ما تسبق حالات فوضى وقلاقل وأحياناً تحديات وجودية جادة للمجتمعات وأنظمتها الحاكمة.

ولا يجوز لنا أن نخفي رؤوسنا في الرمال، ففي البلد تُرَوَّج أقاويل تشمل كل سلطات الدولة من شراء مواقع مهمة في الدولة بالمال، وتداخل بين منافع خاصة وقرارات تحدد مصير ومصالح الشعب، كل ذلك أصبح ينخر في أسس البلد ويكفِّر الناس بكل القيم والمبادئ، ولذلك فإننا نكرر أن هذا الوضع سيقودنا إلى الهاوية رغم أن معظم مَن يتمتع بمميزات هذه المرحلة من موقع قيادي أو كرسي نيابي لا يبالي بما سيحدث لاحقاً كما كان حال باشوات مصر والعراق ووجهاء ليبيا - كما ذكر زميلنا الأستاذ سامي النصف في مقالته المعبرة "التحالف مع الباشوات لا يمنع الثورات"- حتى وقعت الواقعة.

وما يزيد مصائب البلد أن تباشير اللائحة الداخلية لقانون كشف الذمة المالية تشير إلى أنها ستُعفي زوجة المشمول بالقانون من تقديم ذمتها المالية كما ذكر النائب د. حسين القويعان، كما أنها لا تتابع ذمته المالية مدة 5 سنوات على الأقل بعد تركه وظيفته العامة، وربما يكون فيها بعض الاستثناءات الأخرى، وهي بلا شك نصوص ستعني تفريغ القانون من مضمونه وفتح ثغرات ستجعله عديم الفائدة وسبباً جديداً لانهيار الثقة تماماً بأي أمل في الإصلاح الذي لم نبدأ، حتى الآن، أي خطوة جدية فيه.

 لذلك نعيد ونكرر أن الوضع في الكويت صعب ومحبط، وكلما تأخرت السلطة في الإصلاح تسارعت فرص الاحتمالات السيئة والمدمرة لنا جميعاً سلطةً وشعباً وكياناً، والخطوة الأولى للإصلاح هي محاربة المال وسطوته في البلد، والمطلوب الآن أن يتم تحصين القضاء، لأنه الملاذ الوحيد المتبقي، بتشريعات تبعده عن الشكوك والظنون بمزيد من إجراءات منع القضاة من التعامل مع الدولة في الأراضي التي تملكها، وتحديد تعاملاتهم المالية والتجارية، لأن القضاء هو الضمانة الأساسية، ولذلك وضعتهم في بداية عنوان المقالة قبل الجميع، لذا يجب أن نضع مزيداً من الضمانات حتى لا يتم جر هذه السلطة إلى نطاق الشكوك التي شملت كل مواقع الدولة الأخرى، خاصة أن الشكوك كبيرة في إرادة الحكومة ومجلس الأمة تنفيذاً جدياً لقوانين كشف الذمة المالية ومكافحة الفساد، وهو ما سيؤدي إلى مرحلة صعبة، ربما يكون ثمن إصلاحها غالياً جداً، وربما يكون في الشارع الذي طالما كنا ضده، ونتمنى أن يكون الإصلاح من داخل مؤسسات الحكم إذا توافرت لديها الإرادة القوية، وأبعدت عنها أصحاب المنافع والنفوذ المصلحي قبل أن نعود إلى مربع فوضى الساحات والشوارع السابقة!