الإضراب وثقافة العمل: ما زلت أؤكد وأكرر ما قلته في مقال الأحد الماضي تحت هذا العنوان، من أن التأمينات الاجتماعية كانت الرائدة في إحساس العاملين بها بقيمة العمل، حيث يصارع العاملون فيها الوقت ويكابدون التعب والإرهاق، لإحساسهم أن للعمل قيمة وأن قيمته في خدمة المواطن، وهو ما كتبته في مقال لي نشر على صفحات "الجريدة" يوم 3 أغسطس 2007 والذي قلت فيه أيضا "ولكن الخشية على هؤلاء من أن يكون ذلك عامل نحر في جهودهم، لأن غيرهم في أجهزة أخرى يعافون الجهد، ومع ذلك يحصلون على كل ميزات الوظيفة وحوافزها".

Ad

وطالبت المسؤولين في هذا المقال الذي مضى عليه حتى الآن ما يقرب من سبع سنوات أن يضعوا المعايير اللازمة والضرورية لربط الأجر والحوافز والعلاوات والترقيات وغيرها من مزايا وامتيازات بالإنتاج والإجادة والدقة والإتقان ليتنامى الإدراك بقيمة العمل وأهميته ولزومه.

رفض الغبقة الرمضانية:  إلا أن ما استوقفني، هو ما طالعتنا به الصحف اليومية يوم الخميس الماضي، من أن النقابة وموظفي المؤسسة لن يحضروا الغبقة الرمضانية التي دعا إليها مدير عام المؤسسة، حتى لا تستغل كعنوان لمصالحة غير موجودة، ولأن هذه الغبقة لم تأت في الوقت المناسب في ظل وجود الإضراب، وتجاهل حقوق الموظفين.

وهم يعلمون أن المؤسسة لا تملك أصلاً اتخاذ القرار بزيادة رواتبهم، فالاختصاص معقود لمجلس الخدمة المدنية، الذي يقوم الآن بدراسة الرواتب والأجور على مستوى الدولة، تحت مسمى البديل الاستراتيجي.

وأرجو ألا يكون الرفض صحيحاً، لأنه لو كان كذلك، فإنه يقع في حومة مخالفة شرعية وأخرى قانونية، نطرحهما فيما يلي:

مخالفة شرعية : يقول الرسول عليه الصلاة والسلام "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا بلى. قال: إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هو الحالقة، لا تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين"، ومؤدى هذا الحديث الشريف أن إصلاح ذات البين يقيم الدين ويرسّخ الإيمان والتقوى في النفوس بين المسلمين، وهو أعلى درجة من فريضة الصيام.

وعلى المسلم في هذا الشهر الفضيل حتى يُقبل صيامه أن ينقّي ويطهّر صدره من الأحقاد، يقول المولى عز وجل: "ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم".

كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا تقاطعوا ولا تدابروا، ولا تباغضوا ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث".

الخصومة عينية لا شخصية:  والبيّن من رفض المضربين للغبقة الرمضانية، حتى لا تستغل كعنوان لمصالحة غير موجودة، أن هذا الرفض وهذا التعليل ينطويان على خلق خصومة شخصية، بين المضربين وبين إدارة المؤسسة من ناحية، بل بينهم وبين زملائهم من الكويتيين وغير الكويتيين الذين لم يضربوا عن العمل، والذين سوف يحضرون هذه الغبقة، من ناحية أخرى.

وهو فهم خاطئ لحقيقة مطالب المضربين بزيادة رواتبهم، فهذه المطالب لا تقيم خصومة شخصية بين المضربين ومن يملك اتخاذ القرار بزيادة رواتب العاملين، إذا لم يتخذه أو اتخذه ولم يكن مرضياً لهم، ففي الحالة الأولى يكون قراراً سلبيا بالامتناع عن اتخاذ قرار إذا كان القانون يوجب عليه اتخاذه، وفي الحالية الثانية يكون قراراً إيجابيا، وفي الحالتين فإن اللجوء إلى القضاء طعناً على هذا القرار أو ذاك يكون اختصاماً للقرار ذاته، وينشئ خصومة عينية لا خصومة شخصية مع مصدر القرار أو من امتنع عن إصداره، وهو ما استقر عليه القضاء الإداري.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.