يُحكى أن عقرباً كان يشعر أنه منبوذ لأنه يلدغ جميع مَن يقترب منه، بعد أن تركه الجميع وعاشوا على الضفة الثانية من النهر، وذات يوم أراد العقرب أن يعبر إلى الضفة الثانية من الشاطئ، ولمّا كان لا يعرف السباحة، انتظر حتى وجد ضفدعاً قريباً من الشاطئ، فاقترب منه قائلاً: يا صاحبي!... هل لك أن تنقلني إلى الضفة الثانية من النهر؟

Ad

رد الضفدع: كيف أنقلك، وأنت المعروف بلدغتك، وغدرك، وسُمّكَ القابع في جوفك؟! ومَن يضمن لي، أنك لن تلدغني بوسط النهر، وتقتلني؟! ألم تلدغ الكثيرين من قبل حتى أقرب الأقربين منك؟ ثم إني اتفقت مع «أشقائي» و»حلفائي» ألا نتعامل معك إلا معاً بعد أن تعود عما في رأسك، وتعتقد أنك قادر عليه رغم «حجمك».

قال العقرب: كيف ألدغك، وأنا راكب على ظهرك؟... فإن لدغتك فسنغرق معاً، ثم إنك صاحب فضل عليّ وساعدتني، فهل يُعقَل أن أضع سمي في عنق من ساعدني؟!

رد الضفدع مشككاً في صدق العقرب بينه وبين نفسه: أعطيه فرصة، لعله يصدق هذه المرة؟ لقد «تفاوضنا» كثيراً وهو على استعداد أن «يوقّع» وثيقة يتعهد فيها بحسن الخلق كما وقّع من قبل، صحيح لم يلتزم، ولكن لماذا لا أعطيه فرصة؟، صمت الضفدع لحظة بعد تفكيره الذي اعتقد أنه «عميق»، وقال للعقرب بلهجة «متذاكية»: لا بأس!... لقد أقنعتني... اركب على ظهري، لأوصلك إلى الضفة الأخرى، ولكن احذر فإني سأراقبك طول الطريق.

 ركب العقرب على ظهر الضفدع الذي انطلق سابحاً... وفي وسط النهر بدأت غريزة العقرب تتحرك، وشهوته في اللدغ تشتعل، فكان يُصبِّر نفسه حتى يعبر النهر، ولكن شهوته لم تسكن، ونفسه مازالت تأمره، بل وتشجعه على اللدغ، فلدغ... وبدأ الاثنان في الغرق! فقال له الضفدع مندهشاً: لم لدغتني؟! وقد ساعدتك... فقد قتلت نفسك، وقتلتني معك!، فقال له العقرب: أمرتني غريزتي، فاستجبت لها يا عزيزي... أنا عقرب، وأنت تعرف ذلك، ولو لم ألدغك وأخدعك، لما استحققت أن أكون عقرباً، وبينما يغرق الضفدع يكرر سؤاله الذي عرف إجابته «لكنك وعدت، ووقعت عهداً، لماذا لم تلتزم؟» وكانت آخر خيالات أمام الضفدع ضفادع أخرى ماتت أمام عينيه «لدغاً».

وهكذا... ماتا غريقين!

هذه حكاية قديمة، مجهولة المؤلف وينسبها البعض إلى كتاب كليلة ودمنة، والبعض ينسبها إلى حكايات فلكورية ألمانية، لكن أياً كان مؤلفها فهي تستحق أن تُروى دائماً لتفسر لنا وتذكّرنا بمواقف بعض الأشخاص والمؤسسات والدول، حتى يتبين لنا من يتخابث علينا ويخدعنا ليعود إلى صفنا مرة أخرى ونحن نعرف أنه ذات يوم سيخدعنا، لأن غريزة الشر لديه أقوى من أي غريزة أخرى.

البعض يعتقد أن سؤال الحكاية التراثية الحقيقي هو لماذا لدغ العقرب الضفدع؟ مع أن الإجابة معروفة، وهي أن من تربى على شيء شاب عليه، ومن خبرناه وعرفناه طوال سنوات عمره وهو لا يحفظ معروفاً، ويحفر لمن حوله، وعندما يقاطعونه لسوء طباعه، يعود ليبكي لهم، مدعياً أنه توقف عن خصاله الشيطانية، فإذا ما صدقوه لحظة عاد إلى ما كان يفعله، وكأنّ شيئاً لم يحدث، فهذه طباعه التي لن يغيرها، مهما أقسم أو وقّع على بيانات وأعلن التزامه بما طُلب منه، لأنه سيعود ويلحس وعوده مرة أخرى، وهو الأمر الذي يجعل السؤال الحقيقي للقصة: هو لماذا وافق الضفدع على أن يحمل العقرب فوق ظهره وهو يعرف أن هذه طبيعته التي لا يلبث أن يعود إليها؟

كما في القصص الشعبية، هناك في السياسة الدولية دروس مستفادة، وأسئلة يجب أن يتم الإجابة عنها، وما حدث بين الضفدع والعقرب يمكن أن نراه بسيطاً في محيطنا الإقليمي والدولي إذا راقبنا ما يحدث، ويمكننا ببساطة أن نصل إلى النتائج التي انتهت إليها قصة الضفدع والعقرب.