يرى المخرج أحمد صقر أن الدراما التلفزيونية، في الأساس، هي دراما الأسرة، حتى الأعمال التي تتحدث عن المخدرات والتهريب هي اجتماعية وتحفل بالعلاقات الأسرية، إلى جانب قضايا الفساد، {إلا أن الأحداث السياسية وقضايا الساعة التي تشغل الرأي العام تحفز صناع الدراما إلى نقلها إلى الشاشة  لجذب المشاهد وحتى لا تفقد بريقها مع الوقت}.

Ad

يضيف: {الدراما الاجتماعية موجودة ولن تنتهي، ويمكن تقديمها في أي وقت. صحيح أن   التنوع مطلوب، ولكن انتشار نوع معين على حساب الآخر هو مؤقت ولأسباب معروفة منها نسبة المشاهدة، لا بد من أن تتغير هذه الحالة بعد فترة ويسود نوع آخر وهكذا}.

استنساخ واختلاف

يرى المؤلف وليد يوسف أن أي عمل يحقق نجاحاً تتجه الأنظار  نحوه وتحاول استنساخه طمعاً بنجاح مماثل، حتى أن بعض المنتجين أو النجوم يطلبون من المؤلف، أحياناً، أن يكتب عملا مشابهاً للعمل الذي حقق النجاح مع بعض التغيير، {هنا يضطر المؤلف إلى الموافقة كي يعمل، فنستمر في هذه الموضة لفترة حتى تظهر أخرى ننتقل إليها}.

يضيف: {بعد مسلسل {الدالي} ظهرت أعمال أخرى مشابهة له، وبعد نجاح {رقم مجهول} كرر يوسف الشريف الموضوع نفسه في {اسم مؤقت} ويكرره الآن في {الصياد}، ومع ذلك تبقى الدراما الاجتماعية أساس التلفزيون، تتغير الظواهر والموضة وتظل  هي لا غنى عنها، تختفي ثم تعود لأنها تعالج مشاكل الأسرة الحقيقية}.

بدورها  توضح رانيا فريد شوقي أن خوض الشباب الدراما التلفزيونية ورغبتهم في الاختلاف صنعا هذه الأزمة، {حاولوا أن يقدموا ما يعبر عنهم ويحدثوا تغييراً في الصورة والنصوص، ويظهروا إمكاناتهم في الأكشن والمطاردات والمظاهر الغريبة التي دخلت الدراما التلفزيونية، فوجدنا للمرة الأولى شارة {للكبار فقط} في كل بيت}.

تضيف: {رغم ذلك لم تحقق هذه الدراما النجاح مقارنة بالدراما الاجتماعية، لأن جمهور التلفزيون مختلف عن جمهور السينما، لذا من حقق نجاحاً في السينما ليس بالضرورة أن يحقق النجاح نفسه في التلفزيون}.

تؤكد أن الدراما الاجتماعية لا تنتهي لأنها مرتبطة بالأسرة ومشاكلها ولكنها تأثرت بالأعمال الدخيلة عليها وستعود بعد فترة وتظهر من جديد.

 

مكسب  مادي

   

يعزو سامح الصريطي اختفاء الدراما الاجتماعية إلى عوامل عدة منها: تراجع دور الدولة في الإنتاج الفني، فمعظم الأعمال الكلاسيكية في الدراما (هي والمستحيل، الحب وأشياء أخرى، أبنائي الأعزاء شكرا، من الذي لا يحب فاطمة) من إنتاج التلفزيون، وترك قيادة صناعة الدراما للقطاع الخاص الذي يحكمه رأس المال والمكسب والخسارة، بالتالي يقدم ما يحقق له الربح ويعيد له رأس ماله سريعاً.

 يضيف: «تغير تركيبة المجتمع في السنوات الأخيرة وانتشار العشوائيات والفقر والانفلات الأمني، كل  هذه الأمور غيرت ملامح الشارع  واختلف سلوكه ما انعكس على الدراما عموماً، حتى في السينما اختفت  موضوعات معينة وحلت محلها موضوعات أخرى تتناسب مع حراك الشارع».

 يتابع: «ثمة عامل آخر هو انتشار القنوات الفضائية الخاصة، سواء الدرامية أو السياسية التي تقدم الـ «توك شو»، وهذه البرامج تعتمد على الإثارة، وأصبح  ثمة سباق في ما بينها لتحقيق  نسبة مشاهدة وعائد من الإعلانات، ودخلت قنوات الدراما في هذا السباق بأعمال تناسب هذا الجو العام من الإثارة، لكن بعد هدوء الأوضاع والبدء ببناء المجتمع، سيعود الأمر كما كان في السابق، وستشارك الدراما في توعية المشاهد في المرحلة الجديدة من خلال أعمال اجتماعية برؤية جديدة».

من جانبها ترى الناقدة ماجدة موريس أن مشكلات المجتمع تغيرت وأصبحت أكثر تعقيداً من الماضي، وسقف الحريات الذي ارتفع في الفترة الأخيرة سمح للدراما بمناقشة موضوعات ما كانت تتطرق إليها في الماضي مثل  مسلسل «موجة حارة» الذي تحدث عن بطش الأمن.

لم تنكر موريس أن «رغبة المنتجين في تحقيق نسبة مشاهدة عالية وعائد إعلانات جيد دفعتهم إلى تناول موضوعات مستهلكة لكنها تحقق النجاح، على غرار «مزاج الخير» و{الزوجة الرابعة»،  ولا يختلف أحد على أنها أسوأ الأعمال الدرامية على الإطلاق».

تضيف:  «في مقابل انتشار هذه الأعمال التجارية كان لدينا «ذات»، مسلسل اجتماعي يناقش قضايا الوطن من خلال موضوع شيق، وقد خاطر منتج «ذات» بإنتاجه، ولم يستطع تسويقه قبل رمضان إلا لقناة فضائية واحدة، ولم يقبل عليه أحد لأنه خال من المخدرات والدعارة والمطاردات، وأيضا نيللي كريم ليست اسماً جاذباً للإعلانات، ولكن بعد عرضه وقبل نهاية شهر رمضان عرضت معظم القنوات شراءه».

تتابع: «تمنى  أسامة أنور عكاشة تقديم مسلسل «المصراوية» في أكثر من جزء ليحكي تاريخ مصر، على غرار «ليالي الحلمية»، ولكنه لم يجد منتجاً، حتى التلفزيون المصري لم يتحمس لإنتاجه، ثم الأحداث السياسية والفساد الذي ظهر في الفترة الأخيرة عطلا مسار الدراما الاجتماعية لكنها موجودة ولن تختفي».  

فوضى ولامنطق

توضح الناقدة ماجدة خيرالله أن صناعة الدراما يحكمها اللامنطق والفوضى، حتى الباحثون عن الربح يعملون من دون  خطة، وتسير خريطة الدراما كل عام بمنطق الظاهرة، «عندما ينجح عمل عن الفساد أو المخدرات أو تجنيد رجال الأمن، تتجه كل الأعمال بعده في الاتجاه نفسه».

تضيف: «رغم أن الدراما  قائمة على الأسرة التي هي نواة المجتمع وأساس كل القضايا التي تناقشها الدراما، إلا أنها تجاهلتها من دون مبرر في حين انصرف الجمهور إلى الدراما التركية التي قدمت قضايا الأسرة من دون تعقيد وببساطة، وتحدثت عن علاقات شخصية وأسرية بين حب وخيانة فنجحت، حتى الأعمال الدرامية الأميركية الشهيرة قائمة على العلاقات الأسرية، ومع ذلك لم يلتفت صناع الدراما لهذا الأمر، واستمروا في تقليد كل ما هو سيئ، عندما ينجح عمل مليء بالألفاظ والإيحاءات تجد أكثر من عمل مليء بألفاظ أكثر بشاعة ، وكأن ذلك مسابقة في الانفلات اللفظي والانحطاط».

 تتابع أن أحد المنتجين  رفض  عملا دراميا لها يتمحور حول  الأسرة المصرية ومشاكلها الاجتماعية بحجة أنه كلاسيكي. «التنوع مطلوب في الدراما ولكن ما حدث أن منطق الربح ونسبة المشاهدة غلبا على الدراما وباتا يحددان الموضوعات التي تناقشها بغض النظر عن قضايا المجتمع الملحة».