الخطر القادم «العائدون من سورية»

نشر في 16-11-2013
آخر تحديث 16-11-2013 | 00:01
 عبداللطيف المناوي تورطنا في نهاية السبعينيات عندما قرر من قرر من قادة الدول العربية والإسلامية الترويج والدفع بالشباب للذهاب إلى أفغانستان، للدفاع عن الإسلام -كما كانوا يدعون في ذلك الوقت- ضد الشيوعيين الملاحدة، وقد يذكر بعضنا تلك الدعوات الإعلامية والإعلانية والسياسية الفجة في تلك الفترة، والتي كانت تحفز وتشجع، ولم يدرك وقتها من قام بهذا الفعل أنه إنما يزرع علقماً يذوق منه العالم وبلادنا بعد ذلك عندما عاد هؤلاء الشباب الذين غررت بهم حكوماتهم وإعلامهم وساساتهم ورجال الدين، فذهبوا شباباً مخدوعين وعادوا قنابل موقوتة انفجرت في مجتمعاتها، بعدما عادوا وهم مسلحون بفنون القتل والتفجير، والأهم من ذلك بالفكر المبرر والمشرع لذلك، ذهبوا شباباً وعادوا تحت مسمى "العائدون من أفغانستان" أو "الأفغان العرب"، واليوم نواجه نفس المخاوف من القادم، بعد أن أصبحت سورية تقوم مقام أفغانستان في هذه المرحلة، ذهب الشباب هناك ليقاتلوا -تحت أي مبرر ولأي هدف- لنتوقع عودتهم تحت لافتة "العائدون من سورية".

المقصود هنا بالأفغان العرب تلك المجموعات ممن أطلق عليهم وصف المجاهدين العرب من غير الأفغان، الذين شاركوا في الحرب ضد السوفيات والحكم الشيوعي في كابول، مستخدمين كل الوسائل والطرق للوصول إلى أفغانستان، ومنتحلين صفة العاملين في منظمات إغاثية، أو مراسلين لصحف وإذاعات عربية، وقد تأسست ظاهرة الأفغان العرب على جانبين: الأول الجانب الإغاثي، والثاني الجانب القتالي تمثِّله مجموعات المتطوعين المقاتلين الذين دعَّموا الفصائل الأفغانية الذين جاءوا من معظم البلاد العربية، إضافة إلى متطوعين من أقليات إسلامية في بلدان إفريقية وأوروبية وآسيوية، وقد تلقّوا تدريبهم على أيدي عناصر تنتمي إلى الجماعات العنيفة في بلدانها.

بدأت ظاهرة الأفغان العرب مع انتهاء الحرب الأفغانية 1992، وكانت تطلق على المتطوعين العرب الذين اشتركوا في الحرب ضد الروس، أما المفهوم أو المصطلح المعبِّر عن الظاهرة فقد كان أسبق ظهوراً، إذ ظهر في سياق الأحداث الجزائرية 1990، حيث تناقلت أجهزة الإعلام أخباراً عن أحداث عنف سياسي قامت بها مجموعات من الشباب الجزائريين تدرَّبوا في أفغانستان، وأطلقت عليهم "الأفغان الجزائريون"، ثم تردد المفهوم في بلاد أخرى مرتبطاً بأحداث عنف سياسي مماثلة. ينتمي معظم الأفغان العرب إلى أجيال شابة، ظهر أن بعضهم كانت أعمارهم تتراوح بين 20 و35 عاماً، وهذا يعني أنهم عندما ذهبوا إلى أفغانستان ربما كانت أعمارهم تتراوح بين 15 و20 عاماً، وهي مرحلة تكوين فكري، حيث عاشوا سنوات عدة في المعسكرات الأفغانية في الثمانينيات ومطلع التسعينيات، وتدربوا على الأسلحة الخفيفة والثقيلة، إلى جانب الخبرات العملية المتنوعة، إضافة إلى تلقينهم جرعات مكثفة من الأفكار التي تركز على استخدام القوة لإحداث التغيير المطلوب، وهذه إحدى الاستراتيجيات التي تستند إليها فلسفة الجماعات الإسلامية العنيفة.

ويرى بعض علماء النفس أن هؤلاء الشباب عندما يقدمون على تنفيذ عملياتهم لا يراودهم أدنى شك في أخلاقية عملهم، وأنه مبرر دينياً؛ بسبب عمليات "غسل الدماغ"، والتلقين الفكري والمذهبي التي تعرضوا لها في هذه السن المبكرة في معسكرات التدريب الأفغانية وسط أجواء الحرب، فقد تشكلت عقولهم، ووجهت سلوكياتهم بناء على هذه العمليات التي قام بها، خاصة بعض قادة حركتي الجهاد والجماعة الإسلامية المصريتين.

خبرة الحرب الأفغانية على الأفغان العرب أضافت إقامة علاقات واسعة مع الجماعات الإسلامية العنيفة على مستوى عالمي، وأقامت شبكة علاقات واسعة بأثرياء العرب الذين قاموا بتمويل عمليات القتال في أفغانستان، وكانت البيئة الأفغانية فرصة للتدريب العسكري، وتطوير علاقات واسعة مع الحركات والأحزاب الأفغانية الذين وفَّر بعضهم مظلة الحماية على هذه العناصر، وحال دون تسليمهم لحكوماتهم، خلاصة ما تبقى من المجاهدين غير الأفغان الذين احتضنتهم معسكرات بيشاور، وجلال آباد، وقندهار، ومعسكرات الحدود الباكستانية – الأفغانية ما بين 1979 و1992، مازالوا يشكلون نوعاً من التنسيق في ما بينهم، يصل إلى ما يمكن تسميته "بالدولية الأممية" أو "الجيش الأممي"، وبالتالي أصبح لهم وجود مستقل عن دولهم.

وهكذا أصبح مصطلح "الأفغان العرب" الأكثر تردداً بين وسائل الإعلام العالمية وصناع القرار في العالم منذ اندلاع الحرب الأميركية في أفغانستان، وإصرار الولايات المتحدة الأميركية على القضاء عليهم وعلى من يؤويهم، وتصفيتهم لا كظاهرة سياسية فحسب بل بدنياً أيضاً، باعتبار أنها تراهم صاروا قرينة على الضلوع بكل الأعمال الإرهابية الموجهة ضدها وضد مصالحها المنتشرة في العالم، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل أصبح لدينا أيضاً العائدون من ألبانيا، والآن نستعد لاستقبال العائدين من سورية.

الجديد الآن الذي علينا توقعه هو إشكالية أن العائدين من سورية سيشكلون القنبلة الإرهابية المقبلة إلى كثير من دول العالم، وكما شكل العائدون من أفغانستان موجة خطيرة من الإرهاب في عدد من الدول سيكون العائدون من سورية هم الأخطر من كل المناحي، كما عانت من قبل موجات إرهابية من العائدين من أفغانستان وألبانيا والبوسنة والشيشان.

تقدر عدة مصادر الأجانب الذين يقاتلون في سورية بين مئة ومئة وثلاثين ألف شخص، يتوزعون على مجموعات عدة وتحت مسميات إسلامية مختلفة، وهم يشكلون المجموعات الأقوى بين المجموعات التي تحارب النظام السوري، ولهذا يمكن القول إن معارضي النظام السوري بالفعل من المسلحين جلهم من هؤلاء المرشحين ليكونوا عناصر العنف المقبل.

بعض المصادر قدرت عدد المقاتلين في سورية بمئة ألف جاءوا من 83 دولة، تتصدر الدول العربية التسع المراكز الأولى في عدد المقاتلين، ويلاحظ أيضاً أن الدول التي سيطر عليها "الإخوان" أرسلت عدداً كبيراً، منها تركيا أردوغان، ومصر مرسي، وليبيا "الإخوان"، وتونس الغنوشي، واليمن حزب "الإصلاح" الإخواني، وغزة "حماس"، إذن الموجة المقبلة بعد انتهاء الوضع في سورية ستشكل تحدياً جديداً لدولهم ومجتمعاتهم في موجة إرهاب مرتدة إليها.

back to top