فجر يوم جديد: {الرقابة الشعبية} !

نشر في 02-03-2014
آخر تحديث 02-03-2014 | 00:01
 مجدي الطيب ذات يوم اعترضت عائلة مصرية على مشهد في فيلم أميركي كان يُعرض في إحدى صالات العرض السينمائي بعنوان American Beauty {جمال أميركي} (1999) من إخراج سام مينديز وبطولة كيفين سبيسي، الذي نال عن دوره في الفيلم أوسكار أفضل ممثل لعام 2000، وفاجأ مدير الصالة الجميع عندما استجاب لرب العائلة، وتولى بنفسه حذف المشهد الذي وافقت عليه الرقابة!

يومها ثار جدل عنيف بين مؤيد لما حدث من {رب العائلة}، باعتباره عين الشعب على السلطة، وقيل إن {الرقابة الشعبية} هي طوق الأمان للمجتمع، والعصا التي تؤدب كل من تسول له نفسه الانقلاب على عاداته وتقاليده، بينما رأى المناهضون لما حدث أن الواقعة جد خطيرة كونها تمثل خلطاً للأوراق وتداخلاً للسلطات وازدواجية للجهات المخول لها تطبيق القانون؛ الذي أعطى الإدارة العامة للرقابة على المصنفات وحدها حق الرقابة على الأعمال المتعلقة بالمصنفات السمعية والسمعية البصرية، ومنحها تراخيص تصوير أو تسجيل أو أداء أو عرض أو إذاعة المصنفات في مكان عام أو توزيعها أو تأجيرها أو تداولها أو بيعها أو عرضها للبيع أو تحويلها بقصد الاستغلال، وألزم القانون الرقابة قبل الترخيص بأي مصنف ألا يتضمن أو ينطوي على ما يمس قيم المجتمع الدينية والروحية والخلقية أو الآداب العامة أو النظام العام، وخص بالذكر: الدعوات الإلحادية والتعريض بالأديان السماوية، تصوير أو عرض أعمال الرذيلة أو تعاطي المخدرات على نحو يشجع على محاكاة فاعليها، المشاهد الجنسية المثيرة وما يخدش الحياء والعبارات والإشارات البذيئة، عرض الجريمة بطريقة تثير العطف أو تغري بالتقليد أو تضفي هالة من البطولة على المجرم.

المهم أن المعركة، التي جرت وقائعها مطلع القرن الواحد والعشرين، انتهت بانتصار صوت العقل، وتغليب الرأي القائل إن الترحيب بما أطلق عليه «الرقابة الشعبية» سيشكل آلية رقابية جديدة يهيمن عليها آﺤﺎد اﻷﻓراد، ممن يكرسون نوعاً من الاستبداد والتسلط والانحياز إلى الرأي الواحد، باسم الحفاظ على مصالح الشعب وحماية تقاليده، ويوماً بعد الآخر سيُنصب كل مواطن نفسه متحدثاً باسم المجتمع، بينما هو رقيب عليه في حقيقة الأمر، وسرعان ما سينقلب الأمر إلى فوضى، ويسقط القانون من دون رجعة!

غير أن «الرقابة الشعبية» أطلت برأسها مرة أخرى مع إعلان منتج فيلم «أسرار عائلية» أن بعض أصحاب المراكز التجارية الكبيرة في العاصمة المصرية امتنع عن عرض الفيلم، الذي يتناول ظاهرة «المثلية الجنسية»، تحت مبرر أن عرضه سيضع دار العرض تحت طائلة المقاطعة، بعدما تُتهم بأنها تعرض أفلاماً سيئة السمعة وتتنافى والعادات والتقاليد. وتجنباً لهذا المصير المخيف وحرصا منها على ألا تخسر جمهورها الغاضب في حال عرض الأفلام المثلية التي تخدش الحياء، كان قرار الامتناع عن عرض «أسرار عائلية»، وهو ما كبد منتج الفيلم خسائر فادحة، بعد طباعة نسخ فائقة الجودة ليتسنى عرضها في تلك المراكز الأكثر جلباً للإيرادات، وحيال رفضها استقبال الفيلم، رضوخاً لسطوة التشدد المجتمعي، لجأ أصحاب الفيلم إلى عرض النسخ في الشاشات العادية، التي لا تحقق عائداً يغطّى ثمن الكلفة!

المفارقة العجيبة أن فيلماً بعنوان «الملحد» ينتظر مصير «أسرار عائلية» نفسه، بعدما تسبب عنوانه في إصابة عدد من أصحاب دور العرض السينمائية بالرعب، فما كان منهم سوى أن هددوا برفض عرضه خشية هجوم «المتشددين» على القاعات التي تعرضه، في حال تجاهل عبارة «فيلم في مواجهة الإلحاد»، التي أصر صانعو الفيلم على تصديرها لطمأنة الرأي العام الذي أعاد في ما يبدو تفعيل «الرقابة الشعبية» في جانبها السلبي، من خلال تهديدات تلقاها مخرج الفيلم نادر سيف الدين، ومنتجه،على صفحتيهما عبر موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، أثناء التصوير، ومع الإعلان عن اقتراب موعد طرح الفيلم في الصالات وصف مستخدم على موقع «تويتر» العمل، الذي لم يشاهده، بأنه «كارثة سينمائية تشجع على نشر الأفكار الإلحادية» في حين طالب آخر بما سماه «التعامل العنيف» مع هذه النوعية من الأفلام التي تناقش قضايا حساسة!

فشلت {الرقابة الشعبية} في الاختبار الجديد، ومن المنتظر أن يتكرر الإخفاق مع طرح عدد من الأفلام الجديدة التي تتناول قضايا شائكة؛ مثل: {الصمت} (زنى المحارم من خلال أب اغتصب ابنتيه)، {إسلام حنا} (العلاقة الشائكة بين المسلمين والمسيحيين) و}شقاوة مراهقة} (إغواء الفتيات والتغرير بهن)... وعدد من الأفلام التي يتوقع خروجها إلى النور، بعد أن تفرج عنها الرقابة. لكنها، في الغالب، لن تنجو من مقصلة {الرقابة الشعبية}، التي تتربص بالإبداع، وتمارس إرهاباً ضد المبدعين، بحجة حماية المجتمع من الرذيلة، والحفاظ على عاداته وتقاليده!

back to top