ثلاثة أسئلة تحدد مصير مصر

نشر في 04-01-2014
آخر تحديث 04-01-2014 | 00:01
 عبداللطيف المناوي ليس في مصر هذه الأيام أكثر حضوراً من أسئلة ثلاثة، لا يلتقي اثنان إلا وتكون هذه الأسئلة رفيقاً ثالثاً، وأظن أن الحال نفسه مع معظم العرب المهتمين والمتابعين للشأن المصري، هذه الأسئلة الثلاثة هي: أيهما أسبق الانتخابات الرئاسية أم البرلمانية؟ هل تجرى الانتخابات البرلمانية وفقاً للنظام الفردي أم نظام القائمة؟ والسؤال الثالث هل يترشح الفريق السيسي للرئاسة أم لا؟ سأحاول في عجالة أن أجيب من زاويتي على هذه الأسئلة، وأدعي أن إجابتي تمثل الاتجاه العام في مصر الآن.

نشأت الدولة في مصر منذ القدم دولة مركزية، دولة رأس، تلعب فيها السلطة المركزية دوراً أساسياً لا يمكن تجاهله، يلعب المركز دور القطب الجاذب الذي تنتظم حوله بقية مكونات الدولة، ليس هذا مدحاً في طبيعة الدولة في مصر أو ذماً فيها، لكنه ببساطة وصف لحالة ووضع هو نتاج جغرافيا وتاريخ وعلاقات إنتاج ليس لأحد فينا يد فيها أو فضل.

انطلاقاً من هذه المقدمة السريعة فإن الاختيار ما بين تقديم الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية هنا ليس ترفاً، ولكنه في رأيي ضرورة ومحسوم إن كنا نريد اتباع الطريق الأصح، فإن مصر بلا رأس ستواجه حالة من الفوضى والتشتت التي سوف ندفع ثمناً غالياً لها، فقد اعتادت الدولة أن تكون رأسية التكوين، وتحدي ذلك هو كتحدي طبيعة الأشياء التي تؤدي إلى نتائج سلبية.

البدء بالانتخابات البرلمانية هو قرار بالتفريق أكثر منه قرار بالحركة إلى الأمام، تخيل أن البلاد ستبدأ مواجهة انتخابات سيترشح فيها خمسة آلاف مرشح كحد أدنى، وهم مرشحون للزيادة بل والتضاعف، فإن هذا قرار بالانتحار الأمني والسياسي في ظل غياب دولة واضحة الملامح محددة الاتجاه، التنافس المقبل بين هذه الآلاف في ظل غياب الدولة المتماسكة لن يؤدي إلا إلى حالة من التناحر العائلي والقبلي والجهوي والسياسي، هذا الوضع سوف ينتج عنه دولة منهكة قريبة من حالة التمزق وبدايات الصراع، وسوف يضاعف من الأثر غياب رأس للدولة قادر على الإمساك بالأمور وتخطي هذه الحالة، هذا واقع إنكاره سيؤدي إلى نتائج سلبية.

إذا بدأنا بالانتخابات النيابية فإن هذا سيصل بنا إلى حالة من المناخ المحتقن، هذا المناخ لن يمكن المصريين من بناء أية حالة من التوافق على مرشح رئاسي رئيسي، بل سنرى استقطاباً حاداً سيؤدي إلى مخاطر حقيقية على مستقبل هذا الوطن، تحدي طبيعة الأشياء ليس حكمة، وتحكم مجموعة من أصحاب الصوت العالي في مصير شعب دون إرادته لمجرد أنهم يمتلكون صوتاً عالياً ليس ديمقراطية، ومخالفة الاتجاه العام ليس ما كان يأمله المصريون بعد ثورتهم في يونيو.

أما عن السؤال الثاني حول نظام انتخابات البرلمان المقبل، هل هو النظام الفردي أم القائمة أم القائمة النسبية؟ فإن الملاحظ أنه في مرحلة مبكرة قامت معظم الأحزاب بحملة ترويعية بأن الانتخابات لابد أن تكون بنظام القائمة، لأن هذا يعطي الفرصة لتمثيل الأحزاب في البرلمان المقبل، المشكلة هنا أنه في المرحلة الأولى التالية لثورة يونيو حاولت هذه القوى جني مكاسب سريعة وربط الإنجاز المصري الكبير بحضورها وتأثيرها، لكن الأيام التالية كشفت توجهات الرأي العام المصري وأظهرت في ما أظهرت توجهات المصريين في ما يتعلق بالانتخابات البرلمانية، ويمكن أن نلمس حالة من القلق الشديد لدى معظم المصريين من أن يتمكن "الإخوان" في المرحلة المقبلة من التسلل إلى البرلمان عبر القوائم خاصة مع حالة الضعف الشديد التي تعانيها كل الأحزاب والقوى الحاضرة على السطح، وحسناً فعلت لجنة "الخمسين" عندما أحالت المادة الخاصة بالانتخابات البرلمانية إلى الرئيس، وذلك لأن التيار الممثل للاتجاهات الحزبية يبدو أنه كان يدفع الأمور نحو إقرار نظام القائمة، حتى لو كانت نسبية، وهذا الاتجاه يتناقض مع الاتجاه العام بين المصريين، حيث ظهر في لقاءات الرئيس مع أطياف المجتمع المصري أن الاتجاه الغالب هو إقرار الانتخابات بالنظام الفردي، وأظن أن القرار يجب أن يكون متسقاً مع هذه الاتجاهات.

ويبدو أن التخوفات التي تسكن نفوس المصريين لها ما يبررها، فللأسف الشديد بدأت الأخبار والشائعات تتسرب عن التحالفات الخفية بين بعض هذه القوى والأحزاب وبين جماعة "الإخوان المسلمين" والقوى الإسلامية المتحالفة معها من أجل تربيطات وتحالفات انتخابية تضمن لأعضاء هذه "القوى" دعم "الإخوان" في الانتخابات البرلمانية ليصلوا إلى مقاعد البرلمان ممثلين لشعب لا يعرفهم، وفي مقابل ذلك يعطون للجماعة التي نبذها الشعب أبواباً خلفية للعودة واحتلال المشهد السياسي مرة أخرى رغم أنف الأغلبية.

قد لا تكون الانتخابات بالنظام الفردي هي أفضل نظم الانتخابات، لكنه الأكثر اتساقاً مع الحالة المصرية الحالية.

ويبقى السؤال الثالث: هل يترشح الفريق السيسي للرئاسة أم لا؟ ولهذا حديث آخر.

back to top