تطوير الفساد
نحتاج إلى تطوير آليات الفساد في دولتنا العتية، فنحن منذ سنين نتبع نظاما باليا ومكشوفا في التنفيع وتخصيص المقاولات لم يعد مقبولاً في العصر الحديث.من زمان ونحن نضع العربة قبل الحصان. مثلاً، إذا أتى إلينا من يقول إننا بحاجة إلى خطة خمسية أو عشرية أو خطة تنمية أسوة بالدول المتقدمة نقول هاتوا ما عندكم، فيقول الخبراء إن البلاد بحاجة إلى بناء مدن جديدة وتوسعة أو زيادة محطات الكهرباء والماء، أو بناء مصاف جديدة للنفط وغيرها من المشروعات الحيوية.
وقد يكون هؤلاء الخبراء أو المخلصون من حسني النية يرون أن هذه المشروعات مفيدة للوطن، ومتماشية مع التوسع في عدد المواطنين والمقيمين والاستعداد لمستقبل الأيام. عندها يقوم جهابذة الفساد باختيار من سينفذ هذه المشروعات قبل الإعلان عنها، أي أن أسلوبنا القديم الحالي في تنفيذ برامج الفساد يبدأ عند التفكير في الخطط، وقبل أن يرى النور أو يعرف عنه أحد شيئا: مشروع الكهرباء لفلان بشرط أن يكون شريكه أحد أولادنا، ومشروع المصفاة لعلّان بشرط أن يكون معه أحد أولادنا، ومشروع كذا لعلتان بشرط أن يكون معه أحد أولادنا، ومن تقاليدنا العريقة أيضا أن يقوم المستفيد بوضع مواصفات المناقصات بحيث تنطبق شروطها عليه، وعليه فقط، ويتفق على تضخيم الأسعار لأن أحداً محسوبا عليه له فيها حصة أو عمولة أو سمها ما شئت. وحين تعلن المناقصة ولدى المستفيدين خبراء في إعداد كل المستندات القانونية المطلوبة بحسب شروط أجهزة الرقابة، وتعد الوثائق بدقة متناهية بحيث إنها "ما تخرش المية"، وتسير المناقصة بكل يسر؛ لأن المستفيد قدم المواصفات المطلوبة للمشروع، ولم ينجح الآخرون، ولو حصل بالخطأ أن متقدماً آخر قدم مواصفات وأسعاراً أفضل فإن المستفيد الأصلي سيقوم بضجة واعتراض قد يلغي المشروع برمته ما دام لم يصل إلى مستحقه الأصلي حسب مواصفات الفساد المعروفة. صارت اللعبة معروفة للجميع، وصار مسار ملايين خطط التنمية ومآلها معروفا من قبل أن تبدأ، وأصبح الناس يتندرون بها، ويضحكون من أي شيء يوصف بالخطة الخمسية أو السنوية أو خطة التنمية، وصار لزاماً تطوير أدوات اللعبة وأصول الفساد وتقاليده، ولأنه لا يجوز ونحن في بداية القرن الحادي والعشرين ما زلنا نفسد بأدوات القرن الماضي. من حق الجيل الجديد علينا أن نطور أدواتنا حتى لا نوصف بالتأخر والتحجر واتباع آثار الغابرين، ومن حق الجشعين عندنا أن نريهم الطريق الصحيح والحديث للفساد والإفساد، وأن نريهم أن ما ابتلعوه في ستين عاما يمكن أن يتحقق مثله في خمسة أعوام، باستخدام التكنولوجيا والوسائل الحديثة لشراء الضمائر واقتباس أفضل السبل للنهب والنصب.ونظراً لأنني لست خبيراً في هذا المجال، وحرصا مني على وضع بلدي في قمة دول الفساد في العالم فإنني أدعو كل المخلصين في هذا البلد إلى المساهمة في هذا المشروع الكبير، وتقديم مقترحاتكم من خلال الكتابة في الصحف أو إرسال ما تجود به قرائحكم إلى العنوان التالي:[email protected]وأعدكم بأني سألخص أفكاركم في مقال آخر أو خطة جديدة أخدم بها فساد بلدي والله المستعان.