إسلاميو مصر يخدمون ديمقراطية تونس

نشر في 23-02-2014 | 00:01
آخر تحديث 23-02-2014 | 00:01
كانت الثورة التونسية مصدر إلهام لمصر بكل تأكيد، لكن الإسلاميين المصريين كانوا مصدر إلهام من جانبهم لنظرائهم في تونس؛ الذين وجدوا أن أفضل ما يقدمونه لوطنهم وللديمقراطية هو الابتعاد عن كل ما فعله «إخوان» مصر. ستعبر مصر تلك المرحلة، وستجري انتخابات رئاسية وبرلمانية نزيهة، وستنشئ سلطات دستورية مستقرة، وستؤسس ديمقراطية أكثر متانة واستدامة، بعيداً عن الاستبداد والفاشية الدينية.
 ياسر عبد العزيز  تحت عنوان "نتائج مختلفة لثورتين متشابهتين"، قالت مجلة "تايم"، في أعقاب إقرار الدستور التونسي الجديد، إن الفروق تتسع بين المسارين المصري والتونسي، بعدما نجح التونسيون في تبني دستور جيد، وهو ما يمثل خطوة واثقة على طريق الديمقراطية، من وجهة نظر المجلة.

ترى "تايم" أيضاً أن الأمور في مصر تسير على غير هذا النحو، بعدما "أطاح رجل الجيش القوي" عبدالفتاح السيسي بـ"أول رئيس منتخب" في انتخابات حرة.

ليست "تايم" وحدها التي تنظر إلى ما يجري في مصر وتونس بتلك الطريقة، ومن هذه الزاوية، بل إن أطرافاً كثيرة داخل العالم العربي وخارجه ترى الأمر من المنظور ذاته.

تبدو المفارقة واضحة، كما يبرز التناقض بين المشهدين التونسي والمصري لكل من يريد أن يعقد المقارنة؛ فها هي تونس تنجز دستوراً تمت الموافقة عليه بأغلبية ساحقة، والأهم من ذلك أن جميع من اشترك في إعداده يعبر عن الرضا عنه، ولا يوجد فصيل أو طرف معتبر يطعن فيه، أو يتهمه بتجاهل مطلب وطني أو مصلحة أساسية، في وقت تأتي الأخبار كل يوم من مصر لتخبرنا عن حوادث عنف ومحاكمات ومشاحنات.

يرى بعض الناشطين والمثقفين العرب أيضاً أن التجربة المصرية في أعقاب 30 يونيو 2013، تمثل انقلاباً على الديمقراطية، لأن "الرئيس المنتخب في انتخابات نزيهة لم يسمح له بإتمام ولايته الرئاسية"، وتم "الانقلاب" عليه، وتجريده من سلطته، وسجنه.

يرى هؤلاء ذلك، رغم أن قطاعاً منهم يعترف بـ"فشل مرسي" وأنه لم يكن أكثر من "أداة" للتنظيم الدولي لـ"الإخوان"، وبأن عزله لم يتم إلا بعد أن خرج ملايين المصريين إلى الشوارع منددين بحكمه، ومطالبين بإطاحته.

والواقع أن المقارنة بين الوضع في تونس ومصر بشكل يخلص إلى أن "التونسيين" نجحوا في اختبار الديمقراطية، ومضوا في الطرق الصحيحة، وأن المصريين فشلوا في هذا الاختبار، وانقضوا على نتائج الصناديق، وعادوا إلى الاستبداد والحكم العسكري، ليس أكثر من "تدليس".

سنأتي بجماعتين متماثلتين، وسنمنح كلا منهما سيارة؛ لكن السيارة التي ستحصل عليها الجماعة الأولى ستكون سليمة ومليئة بالوقود ويقودها سائق ماهر، أما السيارة التي ستحصل عليها الجماعة الثانية فستكون مهترئة وكثيرة الأعطال ويقودها سائق لا يجيد القيادة، ولا يعرف وجهة السير، رغم كونه حاصلاً على رخصة.

ستصل الجماعة الأولى إلى مقصدها في الوقت المناسب، وستخفق الجماعة الثانية بالطبع في تحقيق هدفها، وسيكون عليها أن تعيد النظر في السيارة والسائق البليد.

سيكون من الظلم حقاً اعتبار أن الجماعة الأولى أكثر إيماناً بضرورة استخدام السيارات في التنقل، أو أكثر احتراماً للسائق، كما سيكون من الظلم اعتبار أن الجماعة الثانية أخفقت في تحقيق هدفها لأنها غير قادرة على الوفاء بما يتوجب عليها فعله.

هذا ما حدث فعلاً في الحالة المصرية.

كانت مصر أقدر على الوفاء باستحقاقات الانتقال الديمقراطي، خصوصاً بعدما فاز مرشح بالانتخابات الرئاسية، وهنأه خصمه الذي خسر بفارق بسيط، وتم تسليمه مقاليد الحكم، واحتفل به أنصاره، وراح يخطب كل يوم ممنيا الجمهور بالكثير من الإنجازات والنجاحات.

لكن ما جرى لاحقاً كان مسلسلاً لا ينقطع من النكبات والمآسي؛ فقد وعد الرئيس المنتخب بتحقيق التقدم في خمسة ملفات أساسية من الملفات التي تزعج المصريين وتؤثر سلباً في نمط حياتهم، في فترة المئة يوم الأولى من حكمه.

لقد انتهت المئة يوم الأولى من حكم الرئيس المنتخب فإذا بتلك الملفات تشهد تراجعاً واضحاً، بشكل أدى إلى تفاقم معاناة الجمهور.

بعدها، ظهر بوضوح للغالبية العظمى من المصريين أن الحكم الجديد، الذي ظنوه حكماً ديمقراطياً لم يكن سوى استبداد باسم الصناديق.

كان الاقتصاد يتراجع، والخدمات تتردى، والدين العام يتفاقم، والعجز المالي يتسع، والبطالة تزيد، والعلاقات الخارجية تتضرر، والأمن يترنح، وعنف الشارع يتكرر، في حين الرئيس وجماعته يشنان هجمات لا تنقطع على الديمقراطية وحقوق الإنسان.

لا يمكن تقييم تجربة مرسي في حكم مصر دون التذكير بخطايا كبيرة ارتكبت في حق الديمقراطية نفسها؛ وأولى هذه الخطايا كان الإعلان الدستوري الهزلي الذي أصدره في 21 نوفمبر 2012.

في هذا الإعلان حصن الرئيس السابق قرارته ضد أي شكل من أشكال الطعن، وبالتالي، فقد أراد أن يحكم في هذه الفترة، التي كان يمتلك فيها أيضاً سلطة التشريع في غيبة "البرلمان"، من دون أي رد لمشيئته أو تعطيل لإرادته أو محاسبة أو مساءلة لما يرد منه أو من جماعته.

في هذا الإعلان أيضاً حصن الرئيس السابق الجمعية التأسيسية ضد أي قرار قضائي بحلها، كما حصن مجلس الشورى ضد أي حكم قضائي بحله، وإضافة إلى ذلك، فقد أطاح النائب العام، وعين نائباً عاماً مع معرفته بمخالفة القانون.

لم يكن الإعلان الدستوري هو الانقلاب الوحيد على الديمقراطية ونتائج الصناديق من مرسي وجماعته، لكن ثمة ما حدث وكان أكثر مأساوية وأبعد أثراً؛ فقد قام أنصار الرئيس السابق بمحاصرة المحكمة الدستورية العليا، وهي أعلى سلطة قضائية في البلاد، أياماً عدة ليمنعوا قضاة المحكمة من الدخول إليها، وإصدار حكمهم في القضايا الخاصة بمجلس الشورى والجمعية التأسيسية.

وبسبب هذا الحصار الذي تم تحت سمع الرئيس وبصره وبواسطة أعوانه أو "أهله وعشيرته" وفق المصطلح الذي كان يفضل استخدامه، فقد عجزت المحكمة عن القيام بدورها، وهو الأمر الذي يسقط أي رئيس وأي نظام في أي بلد ديمقراطي، خاصة أن الرئيس هو المسؤول الأول عن إقرار القانون والدفاع عن استقلالية القضاء وإتاحة الفرصة اللازمة له للقيام بعمله وأداء دوره.

ليس هذا فقط، لكن الرئيس المنتخب ديمقراطياً، سمح لأعوانه وأنصاره بمحاصرة مدينة الإنتاج الإعلامي، لكي يفرض على وسائل الإعلام المختلفة تغطيات مواتية ومؤيدة، ولكي يحد من أي انتقادات أو محاولات لكشف دكتاتوريته واستبداده وعجزه وفشله.

ليت الأمور وقفت عند هذا الحد، لكن ما لم يكن متوقعاً أو متخيلاً، وما فاق أي تصور، وتجاوز أي حد، كان الطريقة التي تم إعداد الدستور السابق بها وإقراره.

لقد اختار "البرلمان" جمعية تأسيسية غير متوازنة، يهيمن عليها تيار الإسلام السياسي، الذي سعى إلى فرض أجندة محددة على الدستور.

تفجرت الجمعية من الداخل بالطبع، وعندما حان وقت التصويت على النسخة النهائية من الدستور لم يكن ممثلاً فيها سوى أعضاء التيار الإسلامي؛ إلى درجة أن ممثلي الكنائس الثلاث بعد انسحابها جميعاً لم يكن سوى شخص اسمه "محمد" وهو رئيس لحزب متحالف مع  تنظيم "الإخوان" آنذاك.

كانت المواد 4، و219، و81، من الدستور المصري الساقط توسع مفهوم "مبادئ الشريعة الإسلامية"، ليشمل "الأدلة الكلية"، و"القواعد الأصولية والفقهية"، و"المصادر المعتبرة" فى مذاهب أهل السنة والجماعة. كما قصرت الجمعية التأسيسية تفسير مبادئ الشريعة الإسلامية على هيئة دينية محددة، ثم جعلت هذا المفهوم حاكماً رئيسياً لبقية المفاهيم والحقوق والممارسات الخاصة بالحريات، بعدما بات المصدر الرئيسي للتشريع.

سيمكننا أن نلخص ما جرى فى هذا الصدد بأكثر من طريقة، ومن جانبي سأقترح التلخيص التالي: "ستقوم القوى الوطنية بثورة نبيلة ضد نظام فاسد ومستبد، بشعارات تجسد الوحدة الوطنية، ومطالب تتعلق بالسياسات الناجعة والحكم الرشيد والحرية، وبعد الإطاحة بهذا النظام، ستنقض جماعات الإسلام السياسي على الثورة، وتخطفها، وتجعلها ثورة من أجل الهوية وفرض رؤية إسلاموية محددة على المجتمع والدولة، عبر ممارسات إقصائية ودكتاتورية، تكرس الاستبداد والفاشية الدينية باسم نتائج الصناديق".

كان ذلك هو المسار الذي اتخذته الأحداث في مصر، وهو مختلف تماما عن المسار التونسي الذي أوجد الإسلاميون فيه فرصة لرئيس انتقالي يساري، وسمحوا بوضع دستور يؤمن بحرية الفكر والضمير، ولا يحول تونس إلى "ولاية فقيه سنية"، ثم حرصوا على أن يوضع هذا الدستور بالمشاركة ومن دون إقصاء.

كانت الثورة التونسية مصدر إلهام لمصر بكل تأكيد، لكن الإسلاميين المصريين كانوا مصدر إلهام من جانبهم لنظرائهم في تونس؛ الذين وجدوا أن أفضل ما يقدمونه لوطنهم وللديمقراطية هو الابتعاد عن كل ما فعله "إخوان" مصر.

ستعبر مصر تلك المرحلة، وستجري انتخابات رئاسية وبرلمانية نزيهة، وستنشئ سلطات دستورية مستقرة، وستؤسس ديمقراطية أكثر متانة واستدامة، بعيداً عن الاستبداد والفاشية الدينية.

* كاتب مصري

back to top