مرافعة: المخالفة لا تعالج بمخالفة أكبر منها!

نشر في 15-07-2014 | 00:01
آخر تحديث 15-07-2014 | 00:01
عندما تقرر مجموعة من الشباب الخروج في تظاهرة أو مسيرة، اعتقادا منهم بأنه حق كفله الدستور لهم فإن خروجهم ذلك لا يقابله، وإن كان مخالفاً للقانون، ضربهم وركلهم ورميهم بالرصاص المطاطي، بل إن القانون الذي باسمه تمت المخالفة ينص على ضرورة ضبط المخالف وإحالته لجهة التحقيق والسماح لمحاميه بالحضور معه لا أكثر من ذلك، ولم ينص القانون ولا من قبله الدستور على السماح لرجال الشرطة وأفراد الداخلية من الأمن أو القوات الخاصة بضرب الناس وركلهم ورميهم بالرصاص لمجرد مخالفتهم القانون، فالمخالفة لا تعالج بمخالفة أكبر منها!

من يرتكب جريمة التجمهر أو التظاهر او الخروج في المسيرات دون الحصول على ترخيص يحال إلى جهات التحقيق، والأخيرة توجه له الاتهامات، وتصدر القرارات بحقه دون تعسف أو تأثر بالعالم الخارجي، وتتعامل مع الواقعة المنسوبة إليه بالقدر الذي أوردته ظروف الواقعة الموقوف على ذمتها، فكم من جنحة أو جناية أحالتها وزارة الداخلية خلال السنوات الماضية بحق الشباب أو حتى النواب السابقين، وانتهى فيها القضاء إلى الحكم ببراءة المتهمين دون أن يتأثر القضاء بأعداد المتظاهرين أو المتجمعين أو حتى الغازات، أو بحجم الأضرار التي وقعت على مصالح حكومية في مواقع أخرى، بل اعتمدت تلك الأحكام على ثلاثة أمور هي أقوال المبلغ، وهي وزارة الداخلية، وتحريات الضابط على الواقعة، وأقوال المتهمين، وأغلب الأحكام انتهت فيها المحاكم إلى براءة الشباب استنادا إلى عدم اطمئنانها لأقوال المبلغين، وهم رجال الداخلية، ولتشككها في سلامة أقوال مجري التحريات، وتصديقها أقوال الشباب المتهمين!

أعلم تماما أن ما أقدم عليه الشباب ممن خرجوا في المسيرات أو التظاهرات الأخيرة مخالف للقانون لعدم تحصلهم على التراخيص التي ألزم وجودها قانون التجمعات الأخير، وفق ما تبقى من نصوصه التي أبقتها المحكمة الدستورية بعد قضائها بعدم دستورية المواد المنظمة لقانون التجمعات، إلا أن تلك المخالفات لا تعطي لرجال الداخلية الحق في التعامل معها بقسوة ووحشية، حسبما أظهرته الصور التي أعقبت فض تلك المسيرات أو التظاهرات!

مهمة رجال وزارة الداخلية هي تطبيق القانون دون تجاوز أو مغالاة أو حتى التبرير لها، كما فعلت الداخلية في بيانها الذي أعقب الأحداث، واتهم التدافع بارتكابها، فمثل ذلك التجاوز يوجب محاسبتهم إداريا من مسؤوليهم قبل أن يكون جنائيا، فكرامات الناس وإن وضعوا في موضع الاتهام والاستيقاف يجب أن تحفظ وتصان لا أن تهدر، لأن مجرد الاتهام أو الاستيقاف لا يبرر انتهاكها والنيل منها بأي شكل من الأشكال، وإلا ترحمنا على الدستور ومبادئه وضماناته، وسمحنا لكل فرد أو مسؤول أمني أن يأخذ الحق الذي يراه بحجة تطبيق القانون!

دولة الدستور والقانون تعني أولا احترام القانون من مسؤولي الدولة ومؤسساتها قبل الأفراد، ثم ألزمهم بتطبيقه دون تجاوز وغلو، لأن الغاية هي تحقيق النظام الذي أراد القانون إرساءه، وأخيرا فإن القانون لم يعط لمطبقيه أن يقوموا بتأديب الناس بحسب الطريقة التي يختارونها، بل أسند هذه المهمة للقضاء!

back to top