بدأ الرئيس السوري بشار الاسد واثقا من نفسه في مواجهة معارضة تطالب برحيله عن السلطة، بإعلانه في مقابلة حصرية مع وكالة فرانس برس أن فرص ترشحه الى ولاية رئاسية جديدة في يونيو المقبل "فرص كبيرة"، مستبعدا القبول برئيس حكومة جديدة من معارضة الخارج، وذلك قبل يومين من مؤتمر جنيف-2.

Ad

واعتبر الاسد في المقابلة التي اجريت الاحد ان "مكافحة الارهاب" هو "القرار الاهم" الذي يمكن ان يصدر عن مؤتمر جنيف الهادف الى ايجاد حل لازمة مستمرة منذ منتصف مارس 2011 وأودت باكثر من 130 الف شخص، محذرا من ان المعركة ضد "الارهاب" في بلاده ستطول.

وقال الاسد في المقابلة التي اجريت في قصر الشعب في دمشق، ردا على سؤال عن احتمال ترشحه لولاية رئاسية جديدة، "بالنسبة الي، لا أرى أي مانع من أن أترشح لهذا المنصب، أما بالنسبة الى الرأي العام السوري، إذا كانت هناك رغبة شعبية ومزاج شعبي عام ورأي عام يرغب بأن أترشح، فأنا لن أتردد ولا لثانية واحدة بأن أقوم بهذه الخطوة".

وتابع "بالمختصر، نستطيع أن نقول بأن فرص الترشح هي فرص كبيرة".

وكان الاسد يرتدي بزة رسمية كحلية اللون، وبدا مرتاحا ومبتسما. واوضح انه لا يعيش في القصر القائم على تلة من تلال دمشق، بل يفضل عليه شقته ومكتبه في وسط العاصمة.

ووصل بشار الاسد (48 عاما) الى السلطة بعد وفاة والده حافظ الاسد في العام 2000. واعيد انتخابه في 2007 لمدة سبع سنوات.

واعلن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية السبت موافقته على المشاركة في مؤتمر جنيف بهدف وحيد هو رحيل الرئيس السوري واركان نظامه ومحاكمتهم.

ويفترض ان يبحث جنيف-2 في تنفيذ بيان جنيف-1 الذي انعقد في يونيو 2012 في غياب الطرفين السوريين، ونص على تاليف حكومة كاملة الصلاحيات في سوريا تضم ممثلين عن المعارضة وعن النظام وتشرف على مرحلة انتقالية، من دون ان يتطرق الى مصير الاسد.

وردا على سؤال عما اذا كان يوافق على تعيين رئيس حكومة ووزراء من المعارضة الموجودة خارج سوريا في حكومة انتقالية، اعتبر الاسد ان لا صفة تمثيلية لهذه المعارضة وانها "من صنع" اجهزة مخابرات اجنبية.

وقال "الكل يعرف الآن بأن بعض هذه الأطراف التي قد تجلس معنا لم تكن موجودة بل وجدت خلال الأزمة من خلال أجهزة المخابرات الاجنبية سواء في قطر أو في السعودية، او في فرنسا أو في الولايات المتحدة ودول غيرها، عندما أجلس مع هؤلاء فأنا أفاوض تلك الدول. فهل من المعقول أن تكون فرنسا جزءاً من الحل السوري، أو قطر أو أميركا أو السعودية أو تركيا مثلاً؟ هذا الكلام غير منطقي".

واشار الى وجود "قوى أخرى معارضة سورية لديها أجندة وطنية، يمكن أن نفاوضها حول ما هي الرؤية لمستقبل سورية، ويمكن لهذه القوى أن تشارك معنا في إدارة الدولة السورية".

واضاف "من حيث المبدأ، المشاركة نحن معها، وهي شيء جيد"، لكن "كل واحد من هؤلاء يمثل الدولة التي صنعته، ومشاركة هؤلاء تعني مشاركة هذه الدول في الحكومة السورية!".

وتابع الرئيس ساخرا "لنفترض بأننا وافقنا على مشاركة هؤلاء (معارضو الخارج) في الحكومة، هل يجرؤون على المجيء إلى سوريا؟ (...) انهم لا يجرؤون. كانوا يتحدثون في العام الماضي انهم يسيطرون على 70 في المئة من سوريا، ولكنهم لا يجرؤون على المجيء إلى الـ70 في المئة  التي حرروها كما يدعون. فهم يأتون إلى الحدود لمدة نصف ساعة ومن ثم يهربون من سوريا، فكيف يمكن أن يكونوا وزراء في الحكومة؟".

وخلص الى ان "هذه الطروحات غير واقعية على الإطلاق، نستطيع أن نتحدث عنها بصيغة النكتة أو المزاح".

وعما هو منتظر من مؤتمر جنيف-2، قال الاسد "الشيء البديهي الذي نتحدث عنه بشكل مستمر هو أن يخرج مؤتمر جنيف بنتائج واضحة تتعلق بمكافحة الإرهاب في سورية، وخصوصا الضغط على الدول التي تقوم بتصدير الإرهاب عبر إرسال الإرهابيين والمال والسلاح الى المنظمات الإرهابية، لا سيما السعودية وتركيا، وطبعاً الدول الغربية التي تقوم بالتغطية السياسية لهذه المنظمات".

وقال "هذا هو القرار الأهم أو النتيجة الأهم التي يمكن لمؤتمر جنيف أن يخرج بها"، معتبرا ان "أي نتيجة سياسية تخرج من دون مكافحة الإرهاب ليس لها أي قيمة".

واشار الى ان بلاده تخوض معركة ضد الارهاب "لا نستطيع أن نتحدث عن الانتصار" فيها "قبل أن نقضي على الإرهابيين".

واوضح ان "ما خطط له في البدايات وهو إسقاط الدولة السورية خلال أسابيع أو خلال أشهر(...) هذه المرحلة بكل تأكيد فشلت وانتصر فيها الشعب السوري.. ولكن هناك مرحلة أخرى من المعركة وهي مكافحة الإرهاب، وهذه المرحلة نعيشها اليوم بشكل يومي، ولم تنته بعد".

وقال الاسد "نستطيع أن نقول بأننا في هذه المرحلة نحقق تقدماً.. نحن نسير إلى الأمام ولكن هذا لا يعني بأن النصر قريب، هذا النوع من المعارك معقد.. ليس سهلاً.. وبحاجة لزمن طويل".

واضاف "في أي معركة، احتمالات الخسارة والربح واردة دائماً، ولكن عندما تدافع عن بلدك، فمن البديهي أن تضع احتمالاً وحيداً هو احتمال الربح، لأن خسارة سوريا لهذه المعركة تعني فوضى في كل منطقة الشرق الأوسط".

وكرر القول ان ما يجري في سوريا "ليست ثورة شعبية كما كان يُصور في الإعلام الغربي، بأنها قضية ثورة شعبية ضد نظام يقمع الشعب وثورة من أجل الديمقراطية والحرية. كل هذه الأكاذيب الآن أصبحت واضحة للناس.. لا يمكن لثورة أن تستمر ثلاث سنوات وتكون شعبية وتفشل".

ورفض الاسد التمييز بين مقاتلين معتدلين ومتطرفين في المعارضة، قائلا "لا توجد فئتان اليوم (...). نحن أمام جهة واحدة هي القوى المتطرفة. بالمختصر، نحن نقاتل طرفاً واحداً هو المنظمات الإرهابية المتطرفة بغض النظر عن تسميات الاعلام الغربي".

وبرر الاسد مشاركة حزب الله اللبناني في القتال في سوريا، بدخول "العشرات من الجنسيات من خارج سوريا" للقتال فيها، مشيرا الى ان اصحاب هذه الجنسيات "قاموا بالاعتداء على المدنيين في لبنان وخصوصا على الحدود السورية وعلى حزب الله"، الا انه اشار الى ان "خروج كل من هو غير سوري خارج سوريا" هو "أحد عناصر الحل".

واوضح ان ذلك سيكون من ضمن "سلّة متكاملة تهدف إلى خروج المقاتلين وتسليم كل المسلحين -حتى السوريين منهم- سلاحهم الى الدولة السورية".

وعما اذا كان الوضع الامني سيسمح باجراء الانتخابات الرئاسية بعد اشهر، قال الاسد "الطرق بين المناطق مفتوحة، وكل الناس تستطيع أن تتحرك (...)، فيستطيع الأشخاص الذين يتواجدون في مناطق ساخنة أن يأتوا إلى المناطق المجاورة القريبة ويقوموا بعملية الانتخاب".

واضاف "يكون هناك صعوبات، ولكنها ليست عملية مستحيلة".

وردا على سؤال حول اتهامات بارتكاب انتهاكات لحقوق الانسان موجهة الى الحكومة السورية من منظمات دولية، قال الاسد "أي منطق ذاك الذي يقول بأن الدولة السورية تقتل شعبها؟ (...) هذا الكلام غير منطقي"، مضيفا "هذه المنظمات لا توجد لديها وثيقة واحدة تثبت بأن الحكومة السورية قامت بارتكاب مجزرة ضد المدنيين في أي مكان منذ بداية الأزمة حتى اليوم".

وتتهم منظمات غير حكومية النظام ومقاتلي المعارضة بانتهاكات عديدة قد ترقى الى "جرائم حرب".

وقال الاسد ان "الجيش لا يقوم بقصف مناطق، الجيش يضرب الأماكن التي يوجد فيها الإرهابيون. (...) أما بالنسبة الى سقوط المدنيين ضحايا، فهذا للأسف يحصل في كل الحروب.. لا يمكن أن يكون هناك حروب نظيفة لا يسقط فيها ضحايا من الأبرياء المدنيين. لذلك الحل هو في إيقاف الحرب، لا يوجد أي حل آخر".

على صعيد آخر، حمل الرئيس السوري بقوة على فرنسا، متهما اياها بالتحول الى "دولة تابعة" لقطر والسعودية بسبب "البترودولار".

وقال ان من الجوانب التي لم يتمكن من فهمها خلال الحرب الممتدة منذ حوالى ثلاث سنوات في بلاده "تأثير البترودولار على تغيير الأدوار على الساحة الدولية. فمثلاً تتحول قطر، الدولة الهامشية، إلى دولة عظمى، وتتحول فرنسا إلى دولة تابعة لقطر تنفذ السياسة القطرية. وهذا ما نراه الآن بين فرنسا والسعودية".

كما اتهم فرنسا بتنفيذ السياسات الاميركية، مضيفا "لا أعتقد ان فرنسا سيكون لها دور بالقريب العاجل (في سوريا والمنطقة) حتى تبدل سياساتها بشكل كُلي وبشكل جذري وحتى تكون دولة مستقلة بسياساتها".

واكد الرئيس السوري الذي يعيش في دمشق مع زوجته واولاده الثلاثة انه لم يفكر يوما بـ "الهروب" من سوريا.

وقال ان كل السيناريوهات التي وضعها منذ بداية الازمة في منتصف مارس 2011 "هي سيناريوهات حول الدفاع عن الوطن وليس حول الهروب.. لا يوجد خيار للهروب في مثل هذه الحالات، يجب أن أكون في مقدمة المدافعين عن هذا الوطن".

واستمرت المقابلة التي أجريت في مكتبة قصر الشعب 45 دقيقة، وقام مكتب الرئاسة بتسجيل الاسئلة الثلاث الاولى بالفيديو، كما اتيح لمصور فرانس برس التقاط الصور خلال الحوار.