ضجة فارغة... وتغريدة!
حين تلجأ قوة عظمى، رغم امتلاكها إمكانات متعددة، إلى خطابات فارغة ونشر هاشتاغ على "تويتر"، يعني ذلك أنها تكشف عن عجزها ولامبالاتها، لكن إذا كنت مواطناً فردياً لا تملك أي نفوذ وتفتقر إلى القدرة على اختراق وسائل الإعلام أو استعمال الطائرات بلا طيار أو القوات الخاصة، فسيكون الهاشتاغ للتضامن مع المتضررين مبادرة قيّمة وربما أكثر من ذلك.
هل نكتب تغريدة أو لا نفعل عن خطف الطالبات في نيجيريا؟ هل يُعتبر نشر "هاشتاغ" تعبيراً عن إدانتنا لحدث مريع في الخارج انعكاساً لنرجسية أخلاقية أم طريقة جديدة ومهمة لمجابهة الأشرار؟يبدو الجواب بسيطاً. يتوقف الأمر على حجم النفوذ الذي نملكه للتحرك ضد حدث معين، إذا كنا نملك نفوذاً مماثلاً، كما هي حال إدارة أوباما التي راقبت تفكيك أوكرانيا بوتيرة بطيئة على يد روسيا، من المحرج أن تكتب المتحدثة باسم وزارة الخارجية هاشتاغ "موحدون من أجل أوكرانيا" (#UnitedForUkraine).
إنه شكل من التملق وتجسيد بصري للخطاب السخيف الذي استعمله رئيسها حين حذر بلهجة صارمة من أننا سنكون مستعدين للتفكير بالوقوف إلى جانب "المجتمع الدولي"، إذا استمر انتهاك أرض هذه الدولة الصديقة للولايات المتحدة، من أجل إدانة هذا السلوك المشين... أو شيء من هذا القبيل.حين تلجأ قوة عظمى، رغم امتلاكها إمكانات متعددة، إلى خطابات فارغة ونشر هاشتاغ على "تويتر"، يعني ذلك أنها تكشف عن عجزها ولامبالاتها، لكن إذا كنت مواطناً فردياً لا تملك أي نفوذ وتفتقر إلى القدرة على اختراق وسائل الإعلام أو استعمال الطائرات بلا طيار أو القوات الخاصة، سيكون الهاشتاغ للتضامن مع المتضررين مبادرة قيّمة وربما أكثر من ذلك.في النهاية، توازي التغريدات الحاشدة في الفضاء الإلكتروني العريضة الشعبية على أرض الواقع، ولا يسخر الناس من العرائض. تاريخياً، برزت طريقة كي يعبّر الأفراد، المشاهير أو المجهولون، عن آرائهم ويضغطوا بأعدادهم على السلطات التي قد تتجاوب مع تلك المشاعر الشعبية في المجتمعات الديمقراطية.كان الهاشتاغ الذي تم إطلاقه تضامناً مع الفتيات النيجيريات (انطلق في الأصل من نيجيريين في نيجيريا) يهدف إلى فعل ذلك تحديداً: الضغط على الحكومة النيجيرية للرد بصرامة أكبر على عملية الخطف. سبق أن أعطت الحملة هذا المفعول، وساهم الاهتمام الخارجي بالقضية في تضخيم تلك الضغوط.لكن كما يحصل دوماً، نحن نميل إلى المبالغة في تقدير قوة التغريدات، وخلال فترة معينة، كان موقع تويتر (وشبكات التواصل الاجتماعي الأخرى) يُعتبر أداة لتغيير قواعد اللعبة كونه يستطيع تقوية الحشود وتغيير شكل العلاقة القديمة بين الحاكم والمحكوم.لكنها مجرد سخافات، صحيح أن التغريدة تتفوق على العريضة لأن التغريدات تتضمن عنوان المرسل الفوري، مما يسمح بحصول تعبئة جماهيرية، ويمكن استدعاء الناس كي يجتمعوا في مكان معين (ميدان التحرير مثلاً). لكن سرعان ما تعود معطيات النفوذ القديمة لتسيطر على الوضع للأسف، إذا كان الطاغية الذي يهدد باستعمال الأسلحة والدبابات متوحشاً ومصمماً بما يكفي، فلن تعني تغريدات الناس أي شيء. جربوا الأمر في ميدان التحرير أو تيانانمين، في دمشق أو طهران. هكذا ستتعرضون لإطلاق النار والتعذيب، ثم قد يسمحون لكم بالاحتفاظ بهاتفكم الذكي الثمين.يشكل إقدام ميشيل أوباما على كتابة تغريدة "أعيدوا فتياتنا" (#BringBackOurGirls)، في إشارةٍ إلى 300 طالبة خُطفن على يد إرهابيين من جماعة "بوكو حرام"، موقفاً مثيراً للاهتمام عن معنى التغريدة شبه الرسمية. لم تكن تلك الخطوة غير نافعة، فهي تحث الرجل الذي ينشر القوات العسكرية ويوفر في هذه الحالة دعماً ملموساً وجدياً (استخبارات، مهمات استطلاعية، مستشارين ميدانيين) على المساهمة في محاربة الشر.لكنّ الأمر الغريب في تغريدتها هو أنها كانت غير مسبوقة: إنها المرة الأولى التي تعبّر فيها شخصياً وعلناً عن رأيها بأزمة خارجية، وقد كشفت عن السبب بكل صراحة: "أنا وباراك نرى ابنتَينا في هؤلاء الفتيات".لا شك أن هوية الضحايا في هذه القضية (فتيات شابات سوداوات) تساعد على تفسير ردة الفعل العالمية. قبل شهرين، عمدت "بوكو حرام" إلى مداهمة مدرسة مسيحية، وبعد عزل الفتيان، قتلت 59 منهم بطريقة وحشية، ولم تنتشر أي حملة على "تويتر" ضد "بوكو حرام" احتجاجاً على ما حدث حينها، ولم تحصل أي حملة مماثلة ضد اعتداءات "بوكو حرام" طوال السنوات السابقة: تدمير الكنائس وحرق المدارس وقتل الكفار من جميع الأعمار.لكن لا ينم السخط الانتقائي بالضرورة عن نفاق، فثمة مليون قضية نبيلة في العالم ولا يمكن أن يكرس الشخص نفسه لخدمتها كلها. يميل الناس بطبيعتهم إلى دعم القضايا الأقرب إلى قلوبهم؛ لذا شهدنا هذا المشهد غير المألوف في الأسبوع الماضي: عقدت مجموعة من نساء الكونغرس مؤتمراً صحافياً للمطالبة بتحرك أميركي فوري ضد "بوكو حرام" (حتى لو شمل الأمر استعمال الطائرات بلا طيار).لم يسبق أن عبّرت إحدى أولئك النساء، مثل شيلا جاكسون لي، عن أي مشاعر معادية للجهاد، لكن لا أهمية لذلك. يجد الناس أسبابهم الخاصة لتبرير مواقفهم، ولا بد من الإشادة بصراحتهم والترحيب بالتزامهم بأي قضية.لطالما اعتُبر الرد الأميركي على حركات الجهاد بعد اعتداءات 11 سبتمبر مفرطاً ومشبوهاً على المستوى الأخلاقي، أقله على لسان الرئيس الأميركي نفسه، يسود تعب واضح من هذا الوضع كله؛ لذا من الإيجابي أن يتنبه الناخبون الجدد إلى مظاهر الهمجية السائدة في عصرنا بعد أن كانت مسائل الجهاد والشريعة الإلزامية تحتل مرتبة متدنية على لائحة مخاوفهم العاجلة.* تشارلز كراوثامر | Charles Krauthammer