قال كريس واتلينغ إن تقييمات الأسهم الأميركية بلا شك "وصلت إلى نهايتها"، لكنها ليست مكلفة أكثر من المرة التي حاول فيها رئيس الاحتياطي الفدرالي السابق، الاستخفاف بسوق الأسهم من خلال تحذير "الوفرة الطائشة" في ديسمبر 1996.

Ad

تبدو الأسهم الأميركية مكلفة جدا، فهل هي في فقاعة؟ ازداد مؤشر ستاندار آند بورز 500 بمعدل الثلثين تقريباً منذ سبتمبر 2011، وهي فترة ارتفعت فيها أرباح الشركات المدرجة على المؤشر بنسبة بلغت 18 في المئة فقط. ومن السهل أن نرى لماذا يخشى كثير من الناس أن السوق الصاعدة قطعت أشواطاً فوق الحد.

لكن قليلين يعتقدون أن انهيار السوق بات وشيكاً. وبدلاً من ذلك يدور الحديث عن احتمال «تحسن مفاجئ» تتجمع فيه الأسهم لتصبح فقاعة يكون مصيرها الانفجار في نهاية المطاف. ويقول جيرمي جرانثام، مؤسس مجموعة GMO لإدارة الصناديق في بوسطن: «أغلب ظني أن السوق الأميركي، خاصة من غير الشركات الكبيرة المعروفة، سوف يرتفع ربما بنسبة 20-30 في المئة في العام المقبل، أو على الأرجح في العامين المقبلين، مع اكتساب بقية أسواق العالم، بما فيها أسهم الأسواق الناشئة، مزيدا من الأرض، على الأقل في لحاق جزئي بالركب. ومن ثم سنحصل على الانهيار الثالث في سلسلة من انهيارات السوق الخطرة منذ عام 1999».

لماذا يسود مثل هذا الاعتقاد في أسواق صاعدة طال صعودها؟ بدايةً، تبقى عوائد السندات منخفضة تاريخياً، إذ إن سندات الخزانة الأميركية لأجل عشر سنوات لاتكاد تعطي عائداً بنسبة 3 في المئة. وعندما تكون العوائد منخفضة فمن المبرر دفع مضاعِفات عالية للأسهم، لأن الائتمان الرخيص يجعل من السهل على الشركات تحقيق الأرباح. ودفع المزيد للأسهم يبدو أيضاً مقبولاً أكثر عندما تكون عوائد السندات منخفضة.

حماس المستثمرين

علاوة على ذلك، لا يوجد دليل على أن المستثمرين يصبحون أكثر حماساً فوق الحد، كما يفعلون عادةً عندما تقترب نهاية الفقاعة. ولطالما كان استطلاع الرأي الأسبوعي لأعضاء الجمعية الأميركية للمستثمرين الأفراد مؤشراً موثوقاً به للرأي المخالف. فعندما يقول عدد كبير إنهم يؤمنون بالسوق الصاعد، فإن ذلك عموماً وقت مناسب للبيع. وعندما تؤمن الأغلبية بالسوق الهابط «سجل هذا المؤشر جاء في الأسبوع الثاني من مارس 2009 عندما خيّم اليأس وبدأت السوق الصاعد الحالي» فهو وقت مناسب للشراء. واليوم، 47 في المئة يعتبرون أنفسهم مؤمنين بالسوق الصاعد و25 في المئة يؤمنون بالسوق الهابط، وهي أرقام تبعُد شوطاً طويلاً عن قمة التفاؤل.

ومع ذلك، مما لا شك فيه أن الأسهم مبالغ في سعرها. إن نسبة أسعار الأسهم إلى الأرباح المعدلة دورياً، التي وضعها روبرت شيللر Cape، والتي طالما اعتبرت مؤشراً موثوقاً للقيمة طويلة الأجل، هي الآن في مستوى، حيث وصل السوق إلى ذروتها قبل الأسواق الهابطة عدة مرات في الماضي. لكنها تبقى دون المستويات التي وصلتها خلال «الفقاعات» الحقيقية، مثل هوس الدوت كوم. وينطبق الشيء نفسه على «مؤشر توبن q»، الذي يقارن أسعار الأسهم بقيمة استبدال أصول الشركات.

ارتفاع تاريخي

إلى ذلك، الهوامش الربحية في ارتفاع تاريخي ومع الوقت أظهرت قابلية قوية للعودة إلى الوسط التاريخي. ويُظهر مزيج التقييمات العالية الذي تم وضعه على الأرباح المستفيدة من الهوامش العالية دورياً أنه تمت المبالغة في تقدير الأسواق.

إذاً، لماذا يتحدث السماسرة عن ارتفاع الأسعار في عام 2014 أو حتى الارتفاع المفاجئ؟

أولاً، الأسواق لها زخمها الخاص بها. ففي جميع المناسبات الخاصة، عندما توسعت مضاعِفات الأرباح إلى هذا الحد وبهذه السرعة، يُظهر بحث أعدّه آدم باركر، من بنك مورجان ستانلي، أنها مستمرة في التوسع لعام آخر على الأقل. وفي حين أن مدى ارتفاع الأسهم الأميركية منذ مارس 2009 يعد أمرا مثيرا للاهتمام، فإن مدى هذا الارتفاع ليس مستغربا. وفي العادة تستمر الأسواق الصاعدة لمدة أطول. وأيضاً لدى هذه الأسواق مستويات منخفضة من التقلبات ولم تتعرض لحركة تصحيح منذ فترة. واقتراب نهاية السوق الصاعد يتميز عموماً بالتصحيحات وارتفاع التقلبات.

وسبب آخر للاعتقاد أن السوق الصاعد قد يصبح فقاعة في نهاية المطاف يكمُن في كميات النقود القياسية القابعة في الصناديق المشتركة، على الرغم من أن هذه الصناديق تدفع فائدة لا تذكر. ومن غير المرجح أن يصل الاتجاه الصاعد لذروته حتى تجد بعض هذه الأموال طريقها إلى الأسهم.

دور السياسة النقدية

أخيراً، والأكثر أهمية، هناك دور السياسة النقدية. فقد كان لبرنامج التسهيل الكمي من الاحتياطي الفدرالي، الذي من خلاله قام بشراء السندات المدعومة بالقروض العقارية والسندات الحكومية في محاولة للضغط من أجل رفع قيم الأصول وتخفيض العوائد، تأثير كبير على معنويات السوق.

وعلى الرغم من أن الاحتياطي الفدرالي قال في ديسمبر إنه سيبدأ الانسحاب التدريجي من عمليات شراء السندات الشهرية، قال أيضاً إن أسعار الفوائد ستبقى عند معدل الصفر عملياً حتى فترة متقدمة من عام 2015. وقد سجل مؤشر ستاندار آند بورز رقماً قياسياً بعد الإعلان عن الانسحاب التدريجي.

ويعتقد جرانثام أن «التحفيز المفرط» سيستمر في عهد جانيت ييلين، رئيسة مجلس إدارة الاحتياطي الفدرالي المقبلة «وأن طريق المقاومة الأقل للسوق سيكون إلى الأعلى».

ولدى هيو هيندري، من شركة إكليكتيكا لإدارة الأصول في لندن، المعروف بـ«إيمانه بسوق الأسهم الهابطة» وجهة نظر مماثلة أحدثت ضجة في أواخر العام الماضي، عندما أعلن أنه كان يتحول إلى الاتجاه الصاعد. وفي الوقت الذي تتباطأ فيه الصين، ومن الناحية العملية تصدر الانكماش إلى الغرب، كتب هيندري في «فاينانشيال تايمز» يقول: ستكون هناك «دورة انعكاسية تُوجد سوقاً صاعدا لا يمكن وقفه. فكل جزء من الانكماش القادم من الصين المفرِطة في العرض بشكل محموم سيجعل السياسة النقدية أكثر مرونة في الغرب ويرفع أسعار الأصول عاليا».

الصعود المفاجئ

كيف يمكن تفادي «الصعود المفاجئ»؟ يُشير باركر، من مورجان ستانلي، إلى أن التصحيح الكبير يستلزم الخشية من أن تأتي الأرباح أقل بكثير من التوقعات الحالية - لذلك قد يكون الموسم الذي يحل عندما تعلن الشركات أرباحها للعام بأكمله، الذي يبدأ في أواخر يناير مهماً. لكن مع تجاوز الاقتصاد الأميركي للتوقعات الأخيرة للنمو، فإن خيبة أمل خطيرة للأرباح تبدو غير مرجحة بدون حافز من خارج الولايات المتحدة - مثل تباطؤ صيني كبير أو تجدد الأزمة في أوروبا.

وفي حال فشلت هذه الأمور يمكن أن يبقى الأمر للاحتياطي الفدرالي للقيام بالمهمة، من خلال زيادة أسعار الفائدة، أو إزالة التحفيز بسرعة أكبر مما توقعتها السوق.

ويقول كريس واتلينغ من شركة لونجفيو إيكونوميكس في لندن إن تقييمات الأسهم الأميركية بلا شك «وصلت إلى نهايتها» - لكنها ليست مكلفة أكثر من المرة التي حاول فيها ألان جرينسبان، رئيس مجلس إدارة الاحتياطي الفدرالي السابق، الاستخفاف بسوق الأسهم من خلال تحذير «الوفرة الطائشة» في ديسمبر 1996. وفي تلك المناسبة استمر السوق الصاعد ثلاثة أعوام أخرى وتحولت إلى فقاعة ضخمة قبل أن تنعكس في النهاية.

يقول واتلينغ: «سوف يصبح أكثر تكلفةً. ولن يكون هناك مجال حتى نرى التشديد من خلال معدلات الفائدة المرتفعة لكي نتحدث عن نهاية هذا الارتفاع في التقييم في الولايات المتحدة».

*فايننشال تايمز