على الرغم من أهمية الجانب الدستوري في موضوع رفض الاتفاقية الأمنية، وهو ما تطرقنا إليه في المقالات السابقة، فإن عملية الرفض يجب ألا تنحصر في الشق الدستوري أو القانوني فقط، بل يجب ربطها أيضاً بالشق السياسي، حيث إن الصراع حول الإصلاح والتغيير الديمقراطي والحريات ليس صراعاً قانونياً فنياً بل هو صراع سياسي بالدرجة الأولى.

Ad

بعبارات أخرى، فإن احترام القوانين السارية لا يعني بالضرورة الاتفاق معها أو الموافقة عليها، فكم من الاحتجاجات الشعبية التي تخرج كتعبير عن رفض قوانين صادرة من جهات رسمية مثلما هي الحال خلال السنوات القليلة الماضية في الدول الأوروبية، حيث نرى المظاهرات والاحتجاجات المعارضة لقوانين وتشريعات سياسة ما يُسمى "التقشف الاقتصادي".

وفي ما يتعلق بالجانب السياسي فمن الواضح أن هناك رفضاً سياسياً وشعبياً واسعاً للاتفاقية الأمنية عبَّرت عنه بكل وضوح أغلبية القوى السياسية والشبابية، ومن المستغرب حقاً أن تقوم الحكومة بالتوقيع عليها قبل مصادقة المجلس، وهو الأمر الذي يعني أنها سارية المفعول حالياً مع أن ذلك يعد مخالفة دستورية من المفترض أن تحاسب عليها الحكومة؟! أم أن الحكومة كانت تعرف أنه لن يحاسبها أحد بعد أن فصّلت مجلس "الصوت الواحد" على مقاسها؟!

على أي حال؛ ماذا مثلاً لو صادق "مجلس الصوت"على الاتفاقية الأمنية، وهو أمر مرجح جدا في ظل الظروف السياسية الحالية التي أوجدت هذا المجلس؟

هل استكمال الإجراءات القانونية الشكلية يعتبر مبرراً كافيا لعدم معارضتها ورفضها سياسياً؟

كلا بالطبع، فالشكل الإجرائي لأي قانون يجب ألا يكون على حساب المضمون، والجميع يعرف أن هناك في دول العالم قاطبة قوانين جائرة وغير عادلة ومنحازة من حق الناس رفضها والعمل على تغييرها، حيث إن صياغة القانون وإقراره وطريقة تنفيذه تحكمها عوامل عدة من ضمنها موازين القوى السياسية، فضلاً عن أن هناك "ترزية" قوانين على أتم الاستعداد لتفصيل أي قانون تريده الحكومة وتبريره.

على هذا الأساس، فإن رفض الاتفاقية الأمنية يجب أن يكون رفضاً سياسياً بالدرجة الأولى وليس قانونياً أو فنياً بحتاً فقط، فالعمل بهذه الاتفاقية حتى لو استكملت شكلها القانوني سيكون عائقاً أمام أي محاولات جادة لتطوير نظامنا الديمقراطي للمزيد من ضمانات الحرية.