فجّر الظهور القوي لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) بقيادة زعيمها أبوبكر البغدادي الكثير من الأسئلة، حول تطلعات التنظيم في إنشاء دولة الخلافة، فضلاً عن علاقاته بالتنظيم «الأم» للجماعات الجهادية تنظيم «القاعدة» بقيادة المصري أيمن الظواهري، بعدما باتت تلك العلاقات في حكم المقطوعة، بعد اتهام «داعش» للظواهري بالتراخي، ورفض مطالب له بعدم التعرض

Ad

لـ»العوام من أبناء الطائفة الشيعية» في العراق، وهو ما ينذر بموجة جديدة من التطرف شعارها «البقاء للأكثر تشدداً».

الخلافات التي وقعت مؤخراً بين «داعش» و«القاعدة» كشفت عن كم الانشقاق بين التنظيمين، وكيف أن «داعش» سعى منذ فترة إلى تصدر المشهد الجهادي، محاولاً سحب البساط من تحت قدم التنظيم الأم ليحل محله، وأرجع بعض خبراء الجماعات الجهادية أسباب تلك المساعي إلى عدم امتلاك زعيم تنظيم القاعدة الحالي أيمن الظواهري شخصية كاريزميّة، مثل التي كان يتمتع بها مؤسس التنظيم الأول أسامة بن لادن، الذي قتلته قوات «المارينز» الأميركية في باكستان مايو 2011.

«داعش» تنظيم يتبنى الفكر السلفي الجهادي لإعادة دولة «الخلافة وتطبيق الشريعة الإسلامية»، ويعتبر امتداداً لجماعة «التوحيد والجهاد» التي أسسها أبومصعب الزرقاوي 2004، ليبدأ بذلك التكوين الأول «للدولة الإسلامية في العراق» منتصف أكتوبر 2006. وساعدت الثورة السورية، التي اندلعت ضد نظام الرئيس بشار الأسد أواخر 2011، على تحالف الجماعات الإسلامية المتشددة، ومكنت  أبومحمد الجولاني الذي كلفه أبوبكر البغدادي من تأسيس «جبهة النصرة» لتكون ذراع «القاعدة» في سورية. بعد ذلك قرر البغدادي ضم تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق» و»جبهة النصرة» في كيان واحد، ليصبح بذلك «الدولة الإسلامية في الشام والعراق» والذي عرف في ما بعد بـ»داعش».

ومنذ ذلك الوقت، ظهر «داعش» تياراً جهادياً أكثر شراسة من أقرانه، حيث بث مقاطع فيديو تظهر عمليات إعدام جماعية ودموية لعدد من مخالفيهم.

المرتكزات الفكرية لـ «داعش»

ويتبنى تنظيم «داعش» نفس الأفكار الجهادية- التي تتبناها التنظيمات الجهادية التكفيرية، المنتسبة إلى الفكر القاعدي، ومن بين تلك الأفكار:  إعادة «الخلافة وتطبيق الشريعة»، ومنع ترميم أو إعمار كنائس المسيحيين المهدمة وعدم الجهر بصلواتهم. الجزية واجبة على الأقليات غير المسلمة.

الجهاد الإسلامي عالمي، ويقوم على أن أساس قوة الإسلام العالمي يجب أن يرتكز على أرض إسلامية واحدة. الجهاد يبدأ بـ»العدو القريب» حكام المسلمين الكفار لا «العدو البعيد» مثل السوفيات والأميركيين. واقع الدولة غير ثابت الحدود ومتعدد الشعوب والقبائل والدين كله لله وكلمته هي العليا.

وساعد ضعف التنظيم الأم للجماعات الجهادية «القاعدة» على ظهور جماعات جديدة تشاركها الأيديولوجية السلفيّة الجهاديّة، وأهدافها البعيدة في إقامة خلافة إسلاميّة، فضلاً عن منازعة التنظيم في القيادة، وهو ما ظهر بين زعيم القاعدة وزعيم «داعش»، الذي رفض ولاية الظواهري، واتهمه في تسجيل صوتي بثه مايو 2013 بارتكاب مخالفات شرعيّة، قائلاً: «إني خُيّرت بين حكم ربي وحكم الظواهري فاخترت حكم ربي».

القيادي السابق في تنظيم الجهاد نبيل نعيم أكد أن تنظيم «القاعدة» بعد مقتل مؤسسه الأول أسامة بن لادن تحول إلى كيان «هلامي»، لا تأثير له ولا سطوة له على التنظيمات الأخرى، موضحاً أن التنظيم تحول إلى فكرة تحاول الجماعات الجهادية الناشئة حديثاً أخذ البيعة منه فقط.

الخلاف بين «داعش» و«القاعدة»

الخلاف بين «القاعدة» و»داعش» بدأ عندما أعلن زعيم تنظيم «داعش» أبوبكر البغدادي ضم الدولة الإسلامية في الشام بقيادة أبي محمد الجولاني إلى تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق»، ليصبح هو زعيم الكيان الجديد الذي يحمل اسم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، الأمر الذي اعترض عليه زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، ليبث تسجيلاً صوتياً يعلن فيه رفضه لذلك.

التسجيل الصوتي لزعيم تنظيم «القاعدة» أحدث ضجّة كبيرة؛ لكونه يدعو فيه إلى إلغاء «داعش»، ويؤكّد أن «جبهة النصرة» هي فرع القاعدة في سورية، و»الدولة الإسلامية في العراق» هي فرع التنظيم في العراق، الأمر الذي رفضه البغدادي، معلناً تمسكه بالشكل التنظيمي الجديد «داعش».

وقال البغدادي رداً على ما أصدره الظواهري من قرارات: «الدولة الإسلاميّة في العراق والشام باقية ولن نساوم عليها أو نتنازل عنها، وأن أهل الحلّ والعقد باركوا خطوة الدمج».

ربما نكون على صواب، إذا ما أكدنا أن مستقبل تنظيم «القاعدة» حالياً أصبح قاتماً، في الوقت الذي بات فيه مستقبل «داعش» واعداً، فالتنظيم «الأم» بدأت الكثير من الجماعات الجهادية تُدير ظهرها له، إلى درجة الانقلاب عليه بأعداد غير مسبوقة، في حين يحقق «داعش» مكاسب جيدة على الأرض، حيث أعلن المتحدث الرسمي للتنظيم أبومحمد العدناني إقامة دولة الخلافة، بعد الانتصارات التي حقها في سورية والعراق.