طالب مفتي مصر الأسبق الدكتور نصر فريد واصل بضرورة تحقيق كتب التراث، وكتب الحديث والسيرة، وليس تنقيتها، لأن هناك تزييفات وتحريفات أدخلها أعداء الإسلام ليحدثوا البلبلة والشقاق بين المسلمين.

Ad

ورفض فكرة المصالحة الوطنية مع من أجرم، أو سفك دم الآمنين دون ذنب، وكذا مدعي الدين الإسلامي، وأصحاب الفكر الإرهابي المتشدد إلا بعد تطبيق الجزاء عليهم وإعلان توبتهم، وحذر خلال حواره مع "الجريدة" من جماعة منكري الحديث النبوي والملقبين بـ"القرآنيين" كمصدر للتشريع الإسلامي، واعتبرهم من غير المسلمين، ووصفهم بالشياطين والشهوانيين الجدد على الإسلام.

• كيف تنظر إلى مطالبة البعض بتنقية وتحقيق كتب الحديث والسيرة النبوية الشريفة؟

- أتفق مع هذا الرأي فقط في ضرورة تحقيق كتب الحديث والسيرة وشأن هذه الكتب شأن كتب التراث كلها، فتحقيق هذه الكتب تحقيقا علميا ضرورة ملحة، ويكون ذلك بالرجوع إلى أصل النسخ المخطوطة التي اعتمد عليها المؤلف أو تلك التي أملاها وطبقا لقواعد التحقيق، خاصة أن أغلب كتب التراث كثير منها مطبوع عن نسخ خطية تكون غير محققة وتسمى "طبعة حجرية" وهذا ما يقضي إعادة تحقيق كتب الحديث والسيرة وليس تنقيتها، خاصة إذا ثبت الحديث وثبتت صحته طبقاً لما نقل من روايات، وألا يحتوي على أي دخيل أو حشو أو تحريف وتغيير عن ناسخ أثناء النسخ.

ونحن نعلم أن التراث من الممكن –عبر الزمن- أن يكون تعرّض لتحريف وتزييف مقصود من أعداء الإسلام، وإذا تعددت النسخ ونقل منها من الممكن أن يتم إدخال الخطأ عليها، وهنا لابد من محاولة تحقيق التراث حديثاً وفقها وسيرة وتاريخاً وهذا أمر مقبول، لكن تنقية الكتب من الأحاديث التي لا تناسب العصر فهذا أمر مرفوض رفضاً كاملاً، لأنه إذا ثبت صحة الحديث فيجب أن يؤخذ به لأنه من أدلة الأحكام الشرعية، ولا يمكن أن ينفصل بأي حال من الأحوال عن القرآن الكريم.

• ماذا ترى في طائفة القرآنيين الذين يرون أن الحديث لا يعد أحد مصادر التشريع في الإسلام؟

- من رفض الحديث فقد رفض القرآن الكريم، لأن القرآن والحديث وجهان لعملة واحدة، وإذا قلت لهؤلاء كيف تصلون؟ وما أركان الإسلام الخمسة؟ لعرفوا جيدا أن الإجابة تستوجب العمل بالحديث كمصدر للشريعة الإسلامية، هم بفكرهم المعوج يخرجون عن القرآن الكريم، لأن القرآن بنصه، يقول: "وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا" (الحشر: 7)، وإنه باتفاق العلماء فإن السنة موحى بها من عند الله، لقوله عز وجل: "وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى" (النجم: 3- 4)، فالأحاديث كلها من عند الله، وإما أن يكون معجزا هو القرآن الكريم أو غير معجز هو السنة، فالحديث غير معجز بلفظه لكن معناه معجز، ومن ثم فالآخذ بالسنة أمر إلهي لا خيار فيه، ومن ينكر السنة بذلك لا يأخذ بالقرآن في ذات الوقت، وهنا تكون مخالفة الله تعالى الذي يقول في محكم تنزيله: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ" (النساء: 59)، هكذا من نكر الحديث ينكر القرآن في ذات الوقت، ولا يكون أمثال هؤلاء قرآنيين كما تسميهم وسائل الإعلام، بل هم شياطين أو شهوانيين.

• الهجوم على الصحابة قضية تثار في الآونة الأخيرة بشكل ظاهر، فكيف يرى الشرع من يسب صحابيا؟

- للأسف، الهجوم على الصحابة وسبهم هو تعبير عن غلبة الجانب السياسي على الجوانب العقائدية الإسلامية، ومن ثم أرى أن الذي يسب صحابياً ويعتقد في ما يقول، ويعلم جيدا أن هؤلاء الصحابة كانوا على حق فهو منافق، وليس مسلما بل هم يظهرون الإسلام لكنهم يرتضون الكفر أو النفاق.

أما إن كانوا يقولون ذلك عن جهل أو تقليد أو نقل بدون وعي من كتب التراث المغلوطة كما هو الحال في أكثر الأمور فإنهم نقلة جهلة، وهم عصاة لابد أن يتم توعيتهم لإعادتهم إلى الطريق القويم وأن نخاطبهم ونعلمهم بذلك، فلابد أن يكون هناك حوار مع هؤلاء الجهلة، ولابد أن يعلن ذلك بعيداً عن تسييس الأمر بدون تكفير، فالعامة الذين ينقلون كلاما فيه سب للصحابة والتابعين، ليسوا بكفرة، بل عاصين يحتاجون إلى من يساعدهم ويرشدهم إلى طريق الحق، فالأمر عبارة عن فتنة، فمتى سب أبوبكر وعثمان في تاريخ الإسلام، وهذه الفتنة سياسيا يسأل عنها في أول الأمر اليهود ثم دخل إلى هذه الساحة بعض العصاة وضعاف الإيمان من المسلمين.

• هل المسلمون اليوم بحاجة إلى فقه الأولويات؟

- فقه الأولويات هو ذلك الارتباط الوثيق بفقه الواقع ويعرف بأنه "وضع كل شيء في مكانه ومرتبته بالعدل من خلال الأحكام والقيم والأعمال، ثم يقدم الأولى فالأولى"، بناء على المعايير الشرعية التي أقرها الله ورسوله (ص)، فلا يقدم غير المهم على المهم، وهذا يعني أن القيم والأحكام والأعمال والتكاليف متفاوتة في نظر الشرع تفاوتا بليغا وليست كلها في رتبة واحدة فمنها الأصلي والفرعي ومنها الأركان ومنها المكملات.

كما أن الأدلة الشرعية من القرآن والسنة على اعتبار فقه الأولويات في التشريع الإسلامي كثيرة وناطقة، فمن الأولويات المهمة شرعا تقديم الكيف والنوع على الكم والحجم، فليست العبرة بالكثرة في العدد، ولا بالضخامة في الحجم، لذا فقد ذم القرآن الأكثرية إذا كانوا أصحابها لا يعقلون أو لا يعلمون أو لا يؤمنون أو لا يشكرون، بينما مدح القرآن الفئة المؤمنة العاملة الشاكرة.

كما أن فقه الأولويات يقدم العلم على العمل والفهم على الحفظ والاجتهاد على التقليد والدراسة والتخطيط لأمور الدنيا على الارتجال والعشوائية، وهذا الفقه يهتم أيضاً ببناء الفرد قبل بناء المجتمع ككل، لذا نحن بحاجة ماسة إلى تطبيقه اليوم حتى نتقدم ونحافظ على تطبيقات ديننا الحنيف.

• التيارات الدينية المتشددة الموجودة الآن على الساحة هل أضرت بالإسلام؟

- نعم جميع التيارات الدينية المتشددة الموجودة الآن ظلمت الإسلام وشوهته بأفعالها غير الإسلامية، فالتشدد والتكفير يظهر الإسلام أنه دين يرفض الآخر ويكفر من يعارضه، وهذه الأمور ناتجة عن غياب الثقافة الإسلامية، لأن هؤلاء تعلموا الدين عن طريق التلقين لا البحث، وأخذوا علم التشدد لا علم التوسط أو السماحة، والإسلام منهم براء، وبسبب أفعال هؤلاء الجهلة تراجعت الدعوة، وتراجع الاجتهاد.

• البعض يدعو إلى مصالحة مع من ارتكب جرائم وسفك دماء باسم الإسلام، كيف تنظر لهذه الدعاوى؟

- لا تصالح مع من أجرم أو سفك دم أحد، والإسلام نهى عن إسقاط الجرائم بالمصالحة أو إجراء الحوار، فهؤلاء مجرمون ويجب أن يخضعوا لأحكام القانون، وبعد عقابهم وتطبيق الجزاء يجوز الحوار والمصالحة بشرط التوبة عن الجرائم التي فعلوها، فالعفو والمصالحة مع مرتكبي الجرائم قد تمكنه من معاودة وفعل المزيد من الجرائم في حق المجتمع والمسلمين.