فجر يوم جديد: {كرة الثلج} !
عقب اعتراضي على قرار مجلس الوزراء المصري، برئاسة المهندس إبراهيم محلب، بإيقاف عرض فيلم {حلاوة روح}، وتشكيل لجنة رقابية جديدة لمشاهدته، والبت في أمره، باغتني صديق، كأنه يتهمني بالازدواجية: {كيف ترفض قرار مجلس الوزراء بعد التحفظات التي سجلتها على الفيلم؟} فما كان مني سوى أن ذكرته بالجملة الشهيرة: {قد أختلف معك في الرأي لكنني على استعداد أن أموت دفاعاً عن رأيك}!أزمة الفيلم الذي كتب له السيناريو والحوار علي الجندي وأخرجه سامح عبد العزيز وأدت بطولته هيفاء وهبي، وصلت إلى ذروتها بالقرار المفاجئ لمجلس الوزراء، الذي أتُخذ، حسب المستشار الإعلامي للمجلس، بناء على تقرير المجلس القومي للطفولة والأمومة، الذي هاجم الفيلم بضراوة بالغة، بحجة أنه يسيء استغلال الطفل، ويمثل إهانة للمرأة، وفور إعلان القرار انقسم الرأي العام بين مؤيد لما جرى، بوصفه خطوة في سبيل الحفاظ على قيم المجتمع، ورافض يرى أن قراراً بهذا الشكل يمثل عودة إلى الوراء، وتهديداً سافراً لحرية الإبداع؛ خصوصاً أنه يكرس وضعاً غير مسبوق في تاريخ السينما المصرية، كونها المرة الأولى التي يُتخذ فيها مثل هذا القرار، بواسطة رئيس الوزراء، لا سيما أن حسام القاويش، المتحدث باسم مجلس الوزراء، أكد أن أحداً من أعضائه، بمن فيهم الرئيس نفسه، لم يشاهد الفيلم، وهو الوضع الذي انطبق على أمين عام المجلس القومي للطفولة والأمومة وأعضائه!
اللافت أنه في الوقت الذي أكد فيه مسؤول بالمجلس القومي للطفولة والأمومة أن قرار المنع جاء {تفعيلاً للدستور}، فإن المادة (67) من الدستور تؤكد أن {حرية الإبداع الفني والأدبي مكفولة (..) ولا يجوز رفع أو تحريك الدعاوى لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية أو ضد مبدعيها إلا عن طريق النيابة}، بينما نص القانون رقم 430 لسنة 1955 على أن الإدارة العامة للرقابة على المصنفات {هي المخولة، وحدها، برقابة الأعمال المتعلقة بالمصنفات السمعية والسمعية البصرية، ومنحها تراخيص تصوير أو تسجيل أو أداء أو عرض أو إذاعة المصنفات في مكان عام، أو توزيعها أو تأجيرها أو تداولها أو بيعها أو عرضها للبيع أو تحويلها بقصد الاستغلال}، بما يعني أن قرار رئيس الوزراء باطل، ومطعون في شرعيته. المثير أن ثمة من رأى، نتيجة غياب {ثقافة الاختلاف}، أن أزمة فيلم {حلاوة روح}، مفتعلة، وأن إثارتها في هذا التوقيت متعمد لصرف الأنظار عن أمر يُخطط له في الخفاء أو إلهاء الرأي العام إلى حين، فيما رأى فصيلٌ كبيرٌ من المثقفين والسينمائيين في القرار {تغولاً} من جانب السلطة التنفيذية، ورغبة في توسيع رقعة الجهات الرقابية، بحيث لا تقتصر على الإدارة العامة للرقابة على المصنفات فحسب، إنما تتجاوزها إلى {الحكومة}، المؤسسات الدينية (الأزهر والكنيسة)، الجهات الأمنية و{المجلس القومي للطفولة والأمومة}؛ فالأزمة الأخيرة كشفت أن الرقابة على المصنفات أرحم كثيراً من الجهات الأخرى التي لا تأخذها بالفن رحمة أو شفقة، وتراودها رغبة دفينة في العصف بالإبداع والتنكيل بالمبدعين!الصدمة الناتجة عن قرار رئيس الوزراء ترجع، من ناحية أخرى، إلى خيبة أمل كثيرين، وإحساسهم بأن التغيير ما زال بعيد المنال، ما دامت العشوائية تحكم مصائرنا، وحياتنا، وسط غياب مُخجل لقاعدة المعلومات بدرجة كانت سبباً في توريط رئيس الوزراء، ومجلسه، في اتخاذ قرار بناء على {وشاية}؛الفضيحة اكتملت مع اكتشافنا أن الذين تورطوا في الإيقاع بالفيلم أو الهجوم عليه، وكذلك الذين تطوعوا للدفاع عنه، لم يكلفوا أنفسهم عناء مشاهدة {حلاوة روح}، بل هيأ خيالهم المريض لهم أن ثمة علاقة جنسية بين بطلة الفيلم الناضجة وأحد الأطفال، وبدلاً من أن يستوثقوا من المعلومة، التي استخلصوها من {البرومو} الدعائي للفيلم، ولا وجود لها ضمن الأحداث، أطلقوا صواريخهم التي استهدفت الفيلم، ونجحت في التحريض ضده ومصادرته ! كشفت الأزمة، في جانب منها، أن التربص بـ {حلاوة روح} بدأ قبل طرح نسخه في الصالات التجارية، تحديداً منذ نزول {البرومو} على شاشات الفضائيات؛ فبدأ الهجوم الشرس الذي تتحمل مسؤوليته الشركة المنتجة، كونها سخرت من اتهام الفيلم بأنه مأخوذ عن الفيلم الإيطالي {مالينا} فاقتبست، على طريقة {القص واللصق}، مشاهد من الفيلم الأجنبي، واستبدلت الإيطالية بلوتشي باللبنانية هيفاء وهبي، ما أثار استياء كثيرين، وعندما طرحت {البرومو} الرسمي اختارت أكثر اللقطات إثارة، وربما ابتذالاً، وصنعت منها فيلماً موازياً صدقه الناس، وأحبوا مشاهدته، في السر، لكنهم أوهموا أنفسهم، في العلن، أنه هابط ويحرض على الرذيلة، ومع مرور الأيام أصبحت الكذبة مثل كرة الثلج، كلما تدحرجت كبرت، وتضخم الشعور الذي ينبغي تصديره للمجتمع، أن {حلاوة روح} وصمة عار لا تُمحى، وخطيئة عظيمة لا تُغتفر !