أوكرانيا وفنزويلا ودروس التاريخ والقوة الأميركية
في أعقاب فتح الأبواب الموصدة لقصر الرئيس الأوكراني المعزول والكشف عن حجم مكاسبه غير المشروعة أمام شعبه الفقير، يصبح من الواضح كم كان سيخسر يانوكوفيتش لو أنه تبنى سياسات مالية وسياسية تتمتع بالشفافية.
طرحت الاحتجاجات في أوكرانيا وفنزويلا تصدعاً جديداً في القرن الحادي والعشرين، ويتموضع على طول هذا الخط طبقة متوسطة تزداد عالمية وتتوق إلى الارتباط بالحداثة مع طبقة حاكمة تسعى إلى الحفاظ على مزايا غير مشروعة موروثة من الماضي السيئ السمعة.وفي الوقت الذي لا يريد أحد العودة إلى زمن الحرب الباردة من المواجهة وسياسة حافة الهاوية، تستطيع الولايات المتحدة الاستفادة من حكمة بعض الرؤساء العظماء إبان الحرب الباردة وسياساتهم إزاء مواجهة الانقسامات. أولاً والأكثر أهمية سوف ينصحون بأن الولايات المتحدة والدول الحليفة لا تستطيع اتخاذ موقف سلبي في وجه الاستفزازات الصادرة عن أولئك الذين يسعون إلى قمع شعوبهم وجيرانهم.
ويجب ألا يتفاجأ أحد لأن الرئيس الأوكراني المعزول فيكتور يانوكوفيتش اختار تحالفاً شمولياً مع مشرفيه وموجهيه في الكرملين بدلاً من فتح آفاق بلاده أمام الاتحاد الأوروبي. وفي أعقاب فتح الأبواب الموصدة لقصر الرئيس الأوكراني المعزول والكشف عن حجم مكاسبه غير المشروعة أمام شعبه الفقير، يصبح من الواضح كم كان سيخسر يانوكوفيتش لو أنه تبنى سياسات مالية وسياسية تتمتع بالشفافية.محسوبية ومحاباةتوجد هذه الديناميكية ذاتها في فنزويلا، حيث وضعت الاحتجاجات طلاب الطبقة المتوسطة وسكان المناطق الحضرية ضد حكومة نيكولاس مادورو المستلهمة لسجل تشافيز. ومثل يانوكوفيتش وفلاديمير بوتين يستمر مادورو وحاشيته في إثراء وتمكين أنفسهم، في حين يعاني الشعب الفنزويلي نقصاً في الضروريات الأساسية- بما في ذلك الغذاء والدواء والوقود، وذلك في مفارقة مع دولة غنية بالطاقة الأحفورية. كما أن مستوى المحسوبية والمحاباة يظهر جلياً في حقيقة أن أطفال تشافيز لا يزالون يشغلون القصر الرئاسي في كراكاس، ويعيشون في رفاهية في حين يتعرض العديد من أبناء البلاد للجوع.في أوكرانيا وفنزويلا، وفي روسيا أيضاً، يتم تقسيم المجتمعات بين نخبة سياسية قائمة على المحسوبية والفساد، وطبقة متوسطة ترتبط عالمياً بازدياد وتتوق إلى إصلاح اقتصادي وإلى دور في القرارات المتعلقة بمصيرها، وهذا هو خط الخلل في زماننا. وسوف يتحدث رؤساء الحرب الباردة العظماء بوضوح عن أن على أميركا الوقوف بثبات إلى جانب أولئك الذين يسعون الى نيل الحرية والكرامة.وقد أدرك الرئيس أيزنهاور أيضاً أن القوة الاقتصادية كانت مصدر القوة الأميركية، وكانت قوة الولايات المتحدة، بالنسبة إليه، تنبع من حيويتنا المالية، وبالمثل فإن بوسع الولايات المتحدة إظهار القوة اليوم من خلال التشديد على كيفية كون أسواقنا الحرة والمفتوحة تتفوق على المحسوبية والمحاباة والفساد. صحيح أن العقوبات الاقتصادية تبدو أداة يسيرة وسهلة لمواجهة تلك الدول، لكن ثمة مزيد من المكاسب يمكن تحقيقها عبر التبادل الاقتصادي الذي يسهم في تمكين الطبقات المتوسطة والنخبة الثقافية.تشاطر القيمأصر الرئيس جون كيندي على ضرورة وجود جيش أميركي مرن ويتمتع بطيف واسع وشامل من الخيارات التي يستطيع التصدي لها، وقد شعر أن من الأهمية بمكان إظهار قدرة الولايات المتحدة على القيام بعمليات عسكرية تمضي إلى ما هو أبعد من نشر قوات أميركية ضخمة تقليدية أو استراتيجية نووية. وفي بيئة الوقت الراهن لربما كان سوف ينصح البنتاغون باستخدام القوات الخاصة الأميركية، وبعثات تدريب ومساعدة عسكرية الى الدول الحليفة لبناء قدراتها، وخلال أزمة خليج الخنازير في كوبا أدرك كيندي محدودية العمل السري ولكنه استمر في دعم أدوات مثل "القبعات الخضراء". وكان من المرجح أن يثني كثيراً على ميزانية الدفاع الحالية لوزير الدفاع الأميركي تشك هيغل التي تركز على القوات الخاصة والقدرات غير التقليدية مثل الحرب السيبرانية، وثمة حكمة أيضاً في تعهد كيندي خلال خطاب التنصيب في سنة 1961: "إلى أولئك الحلفاء القدامى الذين نتشاطر معهم الأصول الثقافية والروحية نقول نحن نلتزم بولاء الأصدقاء المؤمنين. وفي اتحادنا ثمة أشياء قليلة نعجز عن القيام بها في طائفة من مشاريع تعاونية، وإذا انقسمنا نستطيع عمل القليل فقط، لأننا لا نجرؤ على مواجهة تحديات قوية مغايرة وقوى التمزق. إلى أولئك الشعوب... في شتى أصقاع العالم الذين يناضلون لنزع روابط البؤس الجماعي نحن نتعهد ببذل قصارى جهدنا لمساعدتهم على مساعدة أنفسهم، مهما تطلب من وقت".عصر ريغانوأخيراً، أدرك الرئيس رونالد ريغان أهمية توازن القوة والمرونة من أجل استخدام الانفتاح السياسي الذي طرحه المنافسون، وبينما اتسمت بداية إدارته بجهود عسكرية ودبلوماسية للدفع ضد التوسع السوفياتي والابتزاز النووي، فعندما طرح الزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشيف فرصة للإصلاح والتفاوض، انتهز ريغان تلك الفرصة.ومن خلال قيامه بذلك العمل، تمكن من تحريك الأحداث التي أفضت إلى الانتصار في الحرب الباردة وكسر بنجاح حالة الانقسام التي كانت سائدة في عصره، هو الأمر الذي مكن مئات الملايين من سكان أوروبا الشرقية من الإفلات من الطغيان السوفياتي. وقد أسس ريغان أيضاً "الوقف الوطني للديمقراطية" NED، وهي منظمة شبه مستقلة تعمل تحت مظلة "هيئة المعونة الأميركية" USAID التي تستهدف تحسين الديمقراطية. وربما كان ريغان سوف ينصح بإعطاء بوتين فرصة لإنقاذ ماء الوجه من أجل التراجع عن سياسة القمع والعودة إلى المجتمع الدولي.وربما كان ريغان سيحبذ تشجيع استخدام أداة "الوقف الوطني للديمقراطية" NED كمنظمة مستقلة، بما يتيح للولايات المتحدة المرونة الكافية للعمل بنشاط في بيئة استراتيجية متغيرة بغية إعادة فنزويلا وأوكرانيا إلى الفلك الأميركي.جهد موحد وخطر مشترك في معالجة التحدي الذي يطرحه فلاديمير بوتين ورفاقه السابقون فإن الجانب الأكثر أهمية بالنسبة إلى الولايات المتحدة يتمثل بإعادة إثبات قيادتها، لا يريد حلفاؤنا العودة إلى أجواء الحرب الباردة الجيوسياسية، ولكنهم لا يزالون ينظرون إلى واشنطن باعتبارها العاصمة التي تستطيع حشد الغرب وراء عمل جماعي ضد خطر مشترك.لقد سئم الشعب الأميركي من الحرب والركود الاقتصادي ولكن ليس في وسعنا التراجع عن مسؤولياتنا وعن دورنا القيادي العالمي. وإذا كانت الأصوات الجماعية لرؤسائنا العظماء من زمن الحرب الباردة أن تطرح أحد دروس التاريخ فمن المرجح أن يكون أن الناس في أي مكان عندما يثورون ويقاتلون لنيل الحرية والعدالة، فإن على الولايات المتحدة والقوة الأميركية الوقوف الى جانبهم.David Abshire و Maxmillian Angerholzer