من الواجب إبلاغ مساهمي الشركات بالتطورات التي تحدث على الاستثمارات التابعة لهم، خصوصاً إن كانت هذه الاستثمارات تقع في دول تمر بأزمات أمنية طارئة، كالعراق الذي يشهد وضعاً أمنياً صعباً.

Ad

ندخل أسبوعنا الثالث والأزمة الأمنية العراقية في تعاظم مستمر، ومحاولات السيطرة الحكومية على الموقف والمشهد العام لم تفلح حتى الآن، ومن ثم فإن مسألة الأمن في وضع مشكوك فيه، خصوصاً وأن التدخلات العسكرية من المؤكد أن تؤثر بشكل سلبي وكبير على الاستقرار في الأماكن المقصودة.

ما يعنينا في القضية العراقية مصير استثمارات الشركات الكويتية هناك، فلا يخفى على أحد أن هناك العديد من الاستثمارات الكويتية الموجودة في العراق، في القطاعات العقارية والمصرفية والاستثمارية والاتصالات، وحتى اللوجستية والتأمين وغيرها من القطاعات الأخرى، وترجع ملكية العديد من هذه الاستثمارات إلى شركات مدرجة في سوق الكويت للأوراق المالية، ومن فإن مراقبة ومتابعة الأوضاع في العراق مهمة لمساهمي هذه الشركات.

«الجريدة» تطرقت سابقاً الى قضية مصير الاستثمارات الكويتية في دول «الربيع العربي» أثناء اندلاع الثورات الشعبية في تلك البلدان، وطالبت آنذاك بضرورة التدخل الرقابي من الجهات المعنية، وإلزام الشركات المدرجة جميعها بالإفصاح عن امتلاكها لاستثمارات في تلك البلدان، من عدمه، وتوضيح وضعها الحالي بالتزامن مع الثورات الشعبية آنذاك، اضافة الى الطلب من الشركات أن تبادر إلى الإفصاح عن تلك الشركات.

وما نقصده هو أن تكون الشركات سباقة في الإعلان عن حجم تأثر استثماراتها في العراق، فمن الأولى أن يتفهم المساهم ويدرك حجم التأثيرات التي تتعرض لها مشاريع شركته، وبالتالي هو من يقدر حجم الضرر إن وقع، وهو من يقرر الاستمرار في الشركة أو لا، لا أن يترك الأمر بيد الإشاعات والتخمينات التي تصدر هنا وهناك، دون وجود مصدر رسمي لها، لكن لم يحصل هذا أو ذاك، وربما كان المراقب الوحيد هو الجمعيات العمومية، التي استمعت بعضها لإيضاحات صريحة في حين افتقدت أخرى تك الإيضاحات بحجة «نسب الملكية».

استمرار عدم الوضوح

لاتزال مشكلة غياب الشفافية الواضحة ومحدويتها في الوقت الحالي مشكلة رئيسية من مشاكل متداولي سوق الكويت للأوراق المالية، ولاتزال هيئة أسواق المال هي المسؤولة الأولى عن غياب التطبيق للعديد من المواد التي جاءت في اللائحة التنفيذية لقانونها، والمسؤولة عن «تغييب» العديد من إدارات الشركات المدرجة في البورصة، لمساهميها عن أوضاع شركاتهم، فالمساهمون في الشركات الكويتية يطمحون إلى أن يتم إعلامهم عن تطورات عمل شركاتهم وأدائها، لا أن يتم الإجحاف بحقوقهم، وهذا الأمر من مسؤولية هيئة أسواق المال قبل إدارات الشركات نفسها، كونها المعنية بتطبيق هذا الأمر، ولان قضية حماية حقوق مساهمي الشركات من صميم أعمالها ورقابتها.

والآن، لا يختلف اثنان، على ضرورة تدخل الجهات الرقابية المختلفة سواء بنك الكويت المركزي أو وزارة التجارة والصناعة أو حتى إدارة البورصة أو هيئة سوق المال في هذا الأمر وبأسرع وقت ممكن، للعمل على توضيح الأمور، خصوصاً أن مستويات التداول أساساً لا تحتاج الى ضغوطات إضافية تؤثر سلباً فيها، حتى لا تختفي تماماً! مثلما فعلت الجهات الرقابية في بعض الأسواق الخليجية عندما ألزمت جميع الشركات المدرجة بالإفصاح عن استثماراتها في العراق بالتزامن مع بداية المشكلة هناك، وعن مدى تأثر تلك الاستثمارات بهذه الأوضاع، وهذا ما صب في مصلحة جميع المتداولين في تلك الأسواق.

حماية مصالح فقط!

ومثلما أن الاتحادات الأهلية مثل اتحاد المصارف واتحاد الشركات الاستثمارية واتحاد شركات التأمين وغيرها من الاتحادات التي تتعلق بقطاع من القطاعات المدرجة في السوق، تسعى في النهاية الى حماية مصالح الشركات الأعضاء، وتدافع عن تلك المصالح من خلال العديد من الندوات والمؤتمرات وكذلك التقارير الصحافية والبيانات والمطالبات، سواء بطلب مساعدة الحكومة عند الأزمات أو إبعادها عند الرخاء، ووضع جميع التصورات لأي قانون اقتصادي يتم إقراره بما يخدم مصالحهم، فإنه من ذات المنطق يجب أن تقوم بحماية مصالح مساهمي شركاتها، والدفاع عن مصالحها، ومطالبة إدارات الشركات المنضوية تحتها بضرورة الإفصاح للمساهمين عن تطورات استثماراتهم، وهي الأولوية الكبرى، خصوصاً في هذه الفترة، للقيام بها.

الاتحادات مطالبة اليوم بضرورة الضغط على الشركات الأعضاء من أجل الكشف عن حجم تأثر استثماراتها في العراق، حيث تعتبر هذه الإفصاحات مفيدة ولصالح هذه الشركات، فلطالما أغلقت الطريق أمام الشائعات فإنها بالنهاية تعزز من ثقة مساهميها بها وتأييدهم لها، دون أن تبذل جهوداً مضاعفة في محاول التستر عن تأثرها بما يحدث في الخارج، وفي النهاية تخسر ثقة مساهميها.

مبادرة... لعل وعسى

أما شركات الاستثمار، وهي التي كانت أثناء الأزمة المالية وكذلك الثورات العربية في فوهة البركان، والمتصدرة الأولى للأخبار والتقارير الاقتصادية المحلية نظراً للعديد من مشاكلها التي واجهتها وتعثر غالبيتها ودخولها في متاهات إعادة جدول الديون والهيكلة، فكان من الواجب عليها أن تبادر إلى الحديث عن تأثرها بالأوضاع الأخيرة، ومما تعلمناه من الأزمة المالية وإفصاحات الشركات في الاسواق المتقدمة، هو أن تقوم تلك الشركات، بشكل فوري في الإعلان عن حجم تأثرها بالأوضاع الراهنة، والإفصاح عن حجم الأضرار التي لحقت بها إن وجدت وبشكل كامل، في إطار الشفافية الكاملة التي من المؤكد انها ستحميها من أي إشاعات تظهر في المستقبل بهذا الشأن، لكن ما نراه الآن هو استمرار نفس الاستراتيجية القديمة – باستثناء عدد قليل منها - والتي تعتمد على كتمان الأمر وعدم الإفصاح عنه مادامت الجهات الرقابية لا تطلب ذلك، ومادامت الإشاعات لم تطلها حتى الآن!

وما يثير الاستغراب هنا هو تجاهل إدارة البورصة للأزمة الأمنية العراقية رغم معرفتها السابقة بوجود العديد من الاستثمارات الكويتية هناك، وغض النظر عما هو مطلوب في الفترة الحالية وهو الإفصاح عن تأثر تلك الاستثمارات!

«الهيئة» وتحركها

وما نريده من «هيئة السوق» في الوقت الحالي، هو أن تتحرك بشكل فعلي لتحقيق الشفافية المنشودة بعيداً عن جلوسها متفرجة فقط عما يحدث من أخطاء في إفصاحات العديد من الشركات، رغم أن اللائحة التنفيذية تنص في بعض موادها على تحقيق مبدأ الشفافية في الإفصاحات والتداولات، كما أن إدارة البورصة يجب أن تُلغي دور «المتفرج الصامت» وتبدأ بالتحرك وفق صلاحياتها القانونية التي كفلها لها قانون «هيئة أسواق المال»، نظراً لأن استمرار عبث البعض في إفصاحاتهم دون محاسبة من الجهة الرقابية سيساهم في استمرار تداولات السوق تحت وطأة الشائعات المترتبة على «ضبابية» هذه الإفصاحات.