بعد تحصين مرسوم الصوت الواحد دستورياً، ومشاركة فئات المجتمع كافة تقريباً في الانتخابات الماضية، وارتفاع نسبة التصويت، ظن الكثيرون أننا قد تجاوزنا عنق الزجاجة، وأننا سنبدأ مرحلة جديدة عنوانها الهدوء والاستقرار والإنجاز، لكني كتبت في هذه الزاوية بعد الانتخابات مباشرة مقالا بعنوان "لن تهدأ"، قلت فيه بأن الأمور لن تهدأ لأن النهج في تشكيل الحكومة ظل كما هو بلا تغيير؛ مما يعني استمرار إنتاج حكومات ضعيفة متشرذمة لا هوية لها ولا رؤية تجمع وزراءها، وكذلك يعني سهولة استهدافها وإسقاطها خصوصاً في هذه الأوضاع؛ لأن المقاطعين سابقاً يريدون رأسها بسبب "مرسوم الضرورة"، وكذلك المشاركون بسبب إبطال مجلس ديسمبر الماضي، هذا إضافة إلى استمرار صراع الأقطاب في الأسرة واستخدامهم لأدواتهم في المجلس.
واليوم بعد التشكيل الحكومي الجديد الذي خيب ما بقي من آمال نقول مجدداً بأن الأمور "لن تهدأ"، وسيستمر الصراع ومسلسل الاستجوابات لأن سمو رئيس الوزراء لم يتعلم من دروس التجربة التي مر بها سلفه، والتي كان شاهداً عليها بنفسه.فللمرة الألف نقول إن أساس الخلل في البلد هو في تضخم الحكومة وما يصاحبه من بيروقراطية تعتبر البيئة المثلى للفساد، وهذا النظام الريعي هو الذي أفسد المجتمع وحوَّله إلى مجتمع استهلاكي غير منتج تتناحر فئاته على ثروة ناضبة؛ لأن الزيادة الكبيرة في الصرف على حساب الاستثمار تعني أننا حتماً ماضون إلى العجز المالي عمّا قريب.وهذا الخلل لن يستطيع النواب إصلاحه لأنهم نتاج اختيار شعب مخدر بإبر النفط، وهو ضحية لهذا النظام الاستهلاكي الفاسد؛ لذلك، فإن مفتاح التغيير هو في يد الحكومة، وهذا لن يتأتى إلا بتشكيل حكومة سياسية ذات تشكيلة رجال دولة يتفقون مسبقاً على رؤية مشتركة وبرنامج عمل واضح، لا كما يحصل مراراً من تشكيل حكومات "قرقيعانية" قائمة على القص واللزق والترقيع، فلا هوية واضحة لها ولا رؤية مشتركة تجمع وزراءها؛ مما يعني عملياً وجود 16 حكومة في حكومة واحدة ونشوب صراعات بينها، ويعمل معظمها على قاعدة "من صادها عشا عياله".تُرى ألا يسأل رئيس الوزراء نفسه: لماذا اعتذر العشرات عن المشاركة في هذه الحكومة والحكومات الماضية؟! وهل يتوقع سمو الرئيس أن يحصد نتائج مختلفة في هذه الحكومة عن سابقاتها وهو يتبع نفس النهج العقيم الفاشل في التشكيل؟!الكتاب واضح من عنوانه، فهذه الحكومة لن تستمر طويلاً، والاستمرار بهذا الوضع البائس لن يستهلك فقط من الرصيد الشعبي لسمو الرئيس (هذا إن بقي له رصيد)، بل إنه يستهلك من رصيد السلطة برمتها بشكل متسارع، وهذا حتماً سيؤدي يوماً ما إلى تغيير جذري قد لا يكون في الاتجاه الصحيح، كما رأينا في دول الخريف العربي.
مقالات
وأيضاً... «لن تهدأ»
09-01-2014