عندما خرج الزعيم الجنوب إفريقي نيلسون مانديلا من السجن بعد ٢٧ عاما لم يفعل ما هو متوقع فعله، فقد انتخب بعدها رئيسا لكنه رفض أن ينتقم من سجانيه، وأن يعاند قتلة شعبه من أجل العناد لا غير، فلقد آمن أن العناد يهدم ما بقي للدولة من أركان، والانتقام يسحقها مع أطلالها سحقاً، فآثر هو وبقية "الملونين" كما كان يسميهم العنصريون أن يتساموا على جراحهم ويصافحوا قتلتهم وكارهيهم في سبيل بناء الدولة، وهذا ما حصل.
أما نحن في الكويت فالجميع يستند إلى قاعدة التخوين والتشكيك، وما إن يصل أحدهم إلى منصب ما حتى يزيل جميع من وظفهم سلفه، فهو خير خلف لأسوأ سلف، ولنا في الوزارات والجمعيات التعاونية والخطط الخمسية أسوة سيئة. تقوم السلطة بمعاندة المعارضة من أجل العناد ومنطق "محد يحط راسه براسي"، وتقوم المعارضة بفعل الأمر ذاته أحيانا "نكسر خشم العنيد ولا نبالي"، فترد السلطة بمبدأ الانتقام على حساب فلسفة العدالة، ويرد بعض صغار العقول بالألعاب النارية أو الحجارة، فتصغر عقول السلطات أصغر لتقابلها بضرب مبرح بهراوات وغازات يقال إنها ممنوعة دوليا والعلم عند الله!لا أعتقد أن لهذه المعركة منتصرا أو خاسرا، أعتقد أنه يجب أن تمحى هذه الفكرة من الأذهان لأنها تغذي شجرة العناد الكريهة، فتخشى كل الأطراف اللجوء إلى مصالحة وطنية، أو تتنازل عن بعض ما عاندت به خشية "الشماتة" و"كسرة العين"، كأننا لسنا نتكلم عن دولة بمؤسساتها وشعبها، بل عن صراع ديكة، كل يرغب فيه برفع عقيرته بالصياح.أنا مؤمن أن من يملك سلطات أكبر يجب أن يتحمل مسؤولية أكبر، ومن يملك سلطانا أكثر يجب أن يتنازل أكثر، وهذا الأمر لدى حكومتنا الرشيدة، ويا لها من رشيدة، فالمواطن قد تكون بعض أفعاله مبنية على ردود سريعة أما الحكومة فيجب ألا تكون قراراتها إلا ضمن خطط مدروسة وسيناريوهات معدة مسبقا، ولنعتبر من مانديلا الذي لا يفهم بالحقد ولا يفهم بالانتقام لكنه يفهم بأهمية أن يصل النضال إلى مبتغاه الحقيقي وغايته السامية.
مقالات
مانديلا لا يفهم بالحقد
12-07-2014