تقرير اقتصادي:تحديات الخليج الاقتصادية لا تجد طريقاً لطاولة مجلس التعاون
• تطورات النفط الصخري وأسواق النفط ومخاطر العجز المالي أولى من الاتحاد السياسي
• يجب تطوير عمل المنظمة إلى اقتصادية تنموية بدلاً من سياسية أمنية
• يجب تطوير عمل المنظمة إلى اقتصادية تنموية بدلاً من سياسية أمنية
دول مجلس التعاون التي يبلغ الناتج المحلي الإجمالي فيها 1.5 تريليون دولار، وتمتلك صناديقها السيادية أصولاً تقدر بـ1.6 تريليون دولار بنهاية عام 2012، أجدر ما تكون بتحقيق تكامل اقتصادي حقيقي يتجاوز سنوات طويلة من التعثر والخلافات حول التفاصيل.
مجدداً طوت القمة الخليجية أعمالها للدورة الـ34 التي غلب عليها كسابقاتها الهم السياسي والأمني دون أن يكون هناك اهتمام حقيقي بالملفات الاقتصادية والمالية التي برزت كتحدٍ حقيقي لمستقبل دول مجلس التعاون.فخلال آخر عامين برزت على الساحة الاقتصادية العالمية مجموعة من المتغيرات الاساسية لدول الخليج، ولم تعد مشاكل قديمة عالقة كالاتحاد الجمركي او السوق الخليجية المشتركة او العملة الموحدة او الاتحاد النقدي هي المشاكل الاقتصادية التي تبرز كتحديات امام دول مجلس التعاون بل تطور التحدي ليغدو اكبر من السابق كونه بات يتعلق بالمصدر الرئيسي للدخل في الخليج وهو النفط.فدول الخليج التي تستحوذ على أكبر احتياطي نفطي في العالم يقدر بـ485 مليار برميل أي ما يعادل 35.7 في المئة من إجمالي الاحتياطي العالمي من النفط الخام وما نسبته 70 في المئة من إجمالي الاحتياطى العالمي لمنظمة أوبك، ونصف إنتاج دول «أوبك»، أقل من ان تتعامل مع تطور جديد في السوق النفطي يتمثل في دخول النفط الصخري كمنافس محتمل للنفط التقليدي ونمو انتاجه لدرجة جعلت منظمة اوبك تعترف بعد طول تجاهل ان النفط الصخري سيلبي قريباً 8 في المئة من احتياجات سوق النفط العالمي.ولا تقتصر التحديات التي تواجه دول الخليج التي تتراوح نسبة الاعتماد على النفط في ايراداتها ما بين 75 و93 في المئة - والكويت اعلاها - في النفط الصخري فقط بل في اتجاه الولايات المتحدة لان تصبح اكبر منتج للنفط متجاوزة بذلك السعودية، فضلا عن عودة العراق الى الانتاج وكذلك ايران، وما يترتب على عودتهما من منافسة في السوق خصوصا الآسيوية.الصناديق السياديةدول مجلس التعاون التي يبلغ الناتج المحلي الإجمالي فيها 1.5 تريليون دولار، وتمتلك أصول الصناديق السيادية الخليجية 1.6 تريليون دولار بنهاية عام 2012 أجدر ما تكون بتحقيق تكامل اقتصادي حقيقي يتجاوز سنوات طويلة من التعثر والخلافات حول التفاصيل، بل تغيير نمط العمل في مجلس التعاون من منظمة سياسية - أمنية إلى اقتصادية تنموية. تأتي القمة الخليجية بعد اشهر قليلة من اعلان توقعات صندوق النقد الدولي بأن دول الخليج تحتاج الى «ضبط أوضاع المالية العامة على المدى المتوسط وإجراء إصلاحات إضافية في ميزانياتها والا ستواجه قريبا مخاطر العجز المالي في غضون 3 الى 5 سنوات، ومع ذلك لم يكن لمجلس التعاون لا على مستوى القمة ولا حتى على مستوى وزراء المالية اي دور في متابعة مثل هذا التحدي، لاسيما ان السنوات الاخيرة شهدت نموا لافتا في ميزانيات دول الخليج تتراوح بين 40 و60 في المئة معظمها لتغطية الانفاق الجاري الاستهلاكي وهو امر يجب ان يكون اولوية اقليمية لمراجعة ضوابط الانفاق ومحاولة تنويع الايرادات غير النفطية.عدد من دول مجلس التعاون التي تتنامى فيها مخاطر العجز المالي وتقلبات اسواق النفط رصدت مليارات الدولارات لمواجهة الربيع العربي وتبعاته الامنية والسياسية فضخت مبالغ ضخمة لدول عربية ليس لبناء علاقات دبلوماسية او لاستثمارات ذات عوائد انما لمنع حدوث اي تحول سياسي او ثوري في هذه الدول يمكن ان يؤثر على دول الخليج او يضر بمصالحها، وهذا سلوك غير ناجع على المدى الطويل والاجدر هو التعامل مع الاحداث بتطوير صيغ الادارة من حيث العمل على الإصلاح السياسي والمشاركة الشعبية.مواجهة الأزمةمنذ بدء الازمة المالية العالمية لم يكن لمجلس التعاون الخليجي اي دور في مواجهتها او في اتخاذ اجراءات موحدة في التصدي لتداعياتها، مع ان منطقة الخليج بقليل من الاجراءات الموحدة يمكن تكون منطقة تجارية واستثمارية جيدة جدا للعديد من المستثمرين الذين يريدون تحاشي الاستثمار في اوروبا واميركا، اذ لاتزال الخلافات التفصيلية تؤجل الاتحاد الجمركي عاما تلو الآخر وكذلك الأمر بالنسبة الى السوق الخليجية المشتركة التي أُقرت بشكل رسمي عام 2001، الا ان إجراءات دخولها حيز التنفيذ لاتزال شبه معدومة، ولم يتحقق منها سوى السماح لمواطني دول الخليج بتداول الأسهم خليجياً والمساهمة في عملية تأسيس الشركات، رغم أن السوق يعني أن يعامل مواطنو دول المجلس في أي دولة من الدول الأعضاء معاملة مواطنيها، من دون تفريق أو تمييز في المجالات الاقتصادية كافة، وذلك يعني إيجاد سوق واحد للإنتاج والتصدير والاستيراد، وفتح مجال أوسع للاستثمار البيني، وأن يستفيد المواطن الخليجي من السوق عبر فتح المجال والمعاملة بالمثل في التنقل والإقامة والعمل في القطاعات الحكومية والأهلية... إلا ان هذا كله موجود على الورق بلا تطبيق.دول الخليج تعاني غياباً لافتاً على مستوى التكامل في العديد من القضايا الاقتصادية الصغيرة، فما بالك بالكبيرة والأساسية، والتي يمكن حلها من خلال اجتماع وزاري عادي، مثل حسم مسألة حصة كل دولة من عوائد الجمارك او تحديد ضوابط المنتجات الغذائية التالفة ولعل عدم حل قضايا صغيرة بهذا المستوى يثبط أي طموحات لتحقيق التكامل الاقتصادي على مستوى أكبر، وبالتالي لا معنى لمجلس التعاون إن لم يربط مصالح الدول والشعوب بمشاريع ملموسة وواضحة، لاسيما أن اتمام معظم هذه المشاريع سهل من الناحية الفنية، إذا وجدت إرادة جادة من السياسيين ومتابعة حقيقية ودورية لها، فليس من المقبول أن يكون التحالف الإقليمي الذي يضم أكبر دول العالم في الإنتاج والاحتياط النفطي والتي تسبح أراضيها فوق بحيرات من البترول، ورائد الصناديق السيادية العالمية، بلا إنجاز اقتصادي وحدوي واحد.صيغ وحدويةمن المهم القول إن الصيغ الإقليمية الوحدوية الناجحة في العالم نجحت كلها في ان تتطور لمصلحة المشروع الاقتصادي، لذلك نجد الاتحاد الأوروبي أو مجموعة آسيان، التي تضم مجموعة من الدول الآسيوية الناشئة، أو دول بريكس، التي تضم دولا صناعية ذات اقتصادات كبيرة، كالبرازيل والهند والصين وجنوب افريقيا وروسيا، كلها تجاوزت النظرة السياسية أو الأمنية - بعكس دول الخليج - إلى مشروع اقتصادي فيه من الأرقام أكثر بكثير من الخطابات السياسية... وهذا ما يجب على دول الخليج أن تنتبه إليه سريعاً.