هناك أربعة جوانب رئيسة يتعين تذكرها عندما تجتمع لجنة صنع السياسة في مجلس الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي) الأميركي لتقرر ما الذي سوف تغيره في أسلوبها إزاء التعافي الاقتصادي.

Ad

1 – السياق

 ترى وجهة نظر الأكثرية في مجلس الاحتياطي الفدرالي أن الاقتصاد الأميركي يقترب بشكل تدريجي من حالة "نشاط" وأن الضعف الاقتصادي الذي حدث في وقت سابق من هذه السنة يمكن أن يعزى إلى حد كبير إلى الطقس البارد الذي كان في غير أوانه. ولأن صناع السياسة يعتقدون أن عودة النمو يرجح أن تحدث في اقتصاد كان يعمل بأقل من طاقته، فإن مجلس الاحتياطي الفدرالي ليس قلقاً جداً إزاء ضغوط التضخم، وأن القلق يكمن في أن التضخم يمكن أن يكون متدنياً جداً.

وسوف يوفر بيان المجلس بعد الاجتماع المذكور نظرة معمقة محدثة حول ارتياح المسؤولين لهذه السمة القرينية مع صورة أوسع تبرز عندما تعلن مجريات الاجتماع بعد أسبوعين. وفي غضون ذلك، لا تتوقع أي تغيرات دراماتيكية في تقييم مجلس الاحتياطي الفدرالي للاقتصاد، سواء أكانت إيجابية أم سلبية، ولا تتوقع الكثير من الكلام حول الفكرة القائلة إن الولايات المتحدة دخلت فترة طويلة من نمو بطيء ومعدلات بطالة عالية مستمرة، أو عن الخطر المتمثل بالأزمة الجيوسياسية المتفاقمة في أوكرانيا.

2- قرارات السياسة

في ضوء الوضع الذي يتسم بالتفاؤل النسبي في مجلس الاحتياطي الفدرالي، علينا أن نتوقع استمرار المجلس في عملية خفض مرحلية تدريجية لبرنامجه الاستثنائي الخاص بشراء السندات المعروف باسم التيسير الكمي. وعلى وجه التحديد قد يعلن المجلس خفضا بقيمة 10 مليارات دولار في مشترياته الشهرية من سندات الخزينة الأميركية والأسهم المدعومة برهن عقاري، بحيث تصل إلى 45 مليار دولار في الشهر.

 وعلى الرغم من أن المجلس يكرر من دون شك رغبته في تغيير مساره إذا دعت الضرورة، فإن ذلك لن يسهم كثيراً في إبعاد توقعات السوق التي تحظى بإجماع على أنه عازم على الخروج التام من سياسة التيسير الكمي في وقت لاحق من هذه السنة. وفي حقيقة الأمر، فإن مسار السياسة الحالية لن تغيره سوى مفاجأة اقتصادية كبرى.

ويتعين علينا توقع ابقاء مجلس الاحتياطي الفدرالي لمعدلات الفائدة في الأجل القصير عند ما يقارب الصفر، وتوفير إرشاد إضافي حول مستقبل معدلات الفائدة على شكل جزء من هدفه الأوسع في تحسين الشفافية. ويشمل مثل هذا الإرشاد المزيد من الإجراءات المتعلقة بسوق العمل، لتحجيم صعود معدلات البطالة فقط، والمضي قدماً نحو تشديد أكبر على مراقبة مستويات التضخم. وسوف يتم هذا كله في سياق محور مهم من أسلوب يقوم على الغايات المستهدفة التي تعمل كدليل تقويمي، على غرار ما كان المجلس يقدمه منذ زمن غير بعيد بشأن أحد الأهداف المحورية له.

3 – ردود فعل السوق

المسألة الكبرى ليس ما إذا كان المجلس سوف يواصل أسلوبه اللين بصورة عامة- فهو سيفعل ذلك على الأرجح، لكن السؤال الحقيقي هو كيف ستكون ردة فعل الأسواق إزاء حالة عدم اليقين المتأصل في الأجل القصير والناجمة عن التحول في الإرشادات المتقدمة المعززة– وهو محور بدأت شرائح رئيسة في أسواق الدخل الثابت في استيعابه، لكن شرائح أخرى من السوق لم تفهمه حتى الآن.

4 – جوانب شخصية

اجتماع الأسبوع الجاري كان على الأرجح بالنسبة إلى الحاكم جيرمي ستين الذي سيعود إلى جامعة هارفارد، والذي سنظل نذكره لأنه أشار إلى أن الأسواق المالية قد تواجه كماً من المخاطر من جراء المبالغة في اتخاذ قرارات تعتريها المجازفة، خصوصاً أن ذلك الأمر تعززه معدلات فائدة متدنية اصطناعية يتم فرضها منذ فترات طويلة. ومن المثير للاهتمام معرفة ما إذا كانت هذه القضية ستحظى بأي أهمية خصة في مجلس الاحتياطي الفدرالي، خصوصاً في ضوء ضآلة التعويض المتوقع الذي يقبل به المستثمر المتعطش إلى الأرباح إذا ما أقدم على قرارات تحفها مخاطر الائتمان والتقلبات والسيولة.

خلاصة الأمر، ليس من المتوقع حدوث مفاجآت كبرى من مجلس الاحتياطي الفدرالي، لكنه سيبقى مصمماً على الإبقاء على المتابعة الحثيثة للسياسة الانتقالية المهمة، وتواترت أخبار جيدة بأن المجلس يبذل قصارى جهده من أجل التواصل والشفافية بالقدر الذي تسمح به الظروف. أما على صعيد التحديات بالنسبة إلى الأسواق، فقد ذكرنا بذلك ماريو دراغي رئيس البنك المركزي الأوروبي، بأنها "رغم الجهود الرامية إلى تحسين الشفافية، فإن القدرة على التوقع مثلما كنّا في الماضي لن تعود بسهولة وسرعة".

* محمد العريان | Mohamed El–Erian