شماعة النوايا

نشر في 17-07-2014
آخر تحديث 17-07-2014 | 00:01
 مسفر الدوسري نُدْمي قلب نجمة بينما كان في نيتنا أن نمسح عن قلبها العتمة!

نسارع بمناديلنا لتجفيف قطرة ندى عن وجه زهرة ظنّاً منا أنها تبكي فتذبل، كان في نيّتنا أن نُبعد عن وجهها كرنفال الحزن وأن نهديها ما تستحق من الفرح!

نحاصر شمعة مخافة أن تطفئ الريح وهجها، فإذ بنا نشدّد حصارنا عليها لدرجة خنقها فتموت، كان في نيّتنا أن نجعل عمرها طويلاً مديدا!

نفيض على نبتة وليدة بالماء، متوقعين أن تسبّح الله وتحمده على نعمة الارتواء، فإذ بها تموت أمام أعيننا من الغرق وليس من شدّة العطش، كان في نيّتنا ألا نبخل عليها بما يضمن لها أسباب الحياة!

نجرح قلبا حبيباً ودوداً من حيث قدّرنا أننا نكافئه على محبته وودّه، كان في نيّتنا أن نعبّر عن امتناننا وسعادتنا بمشاعره!

كثير ما نعميها من حيث أردنا أن نكحّلها، وكثير أيضا ما أصبح مثلنا مثل ذلك الدب الذي أراد أن يعبّر عن محبّته لصاحبه فعانقه حتى قتله!

ودائماً وأبداً تكون حجّتنا في ما نقترف من خطايا هي أن نوايانا كانت بيضاء كورقة زهرة ياسمين، نتصور أنه من الواجب أن تشفع لنا نيّتنا الطيبة في تسديد رصاصة في جبين شخص ما، لأننا أردنا أن نقتل الذبابة الواقفة على تلك الجبين، نوايانا مهما بلغ صفاؤها ليست شفيعا كافيا لارتكاب سلوك لا تُشفى عواقبه على مرّ الزمن..، نوايانا ليست دليلاً كافيا لتبرئتنا من جريمة فعل قمنا بها، ولا تطهّر ذنوبنا التي ارتكبناها بغير قصد، ولا تُضفي على أعمالنا جمال عذر، على العكس من ذلك تماماً..

نستحق الشكر إذا أدّت نوايانا السيئة إلى عمل صالح، برأيي أن المقصد الشرير لا ينقض الوضوء عن النتيجة الخيّرة للفعل الإنساني.. ولا يقلّل من جمالها شيئا!    

نعم يكتمل جمال الخير الذي نقوم به إذا اقترنت خاتمته الجميلة بنوايا لا تقلّ عنه جمالاً، كذلك تكتمل بشاعة الشر الذي نفعله إذا تزاوجت مع مقصدٍ يشابهه في السوء، إلاّ إن العبرة في آخر المطاف بما تؤول فيه أعمالنا من حُسن صنيع أو سؤ عمل، حين التعامل مع آخر، لا يهم أبداً ما إذا كنا نضمر نوايا صالحة أم سيئة، المهم هو اثر هذا التعامل على الآخر سلباً أم أيجاباً.

ما نضمره في خفايا صدورنا لا يمكن للآخر أن يعرفه، أو يتأكد من سلامته، حتى وإن فعل فذلك لا يبرر قيامنا بالإساءة له، ولا يمنحه عذرا مقبولاً يستحق تجاوز الخطيئة، شماعة النوايا مهما بلغت صلابتها لا تتحمّل ثقل عباءة فعل قبيح.

"إنما الأعمال بالنيّات" عملة يصحّ تداولها في السماء، إنما على الأرض فالعملة الوحيدة الصالحة للتداول بين الناس هي "إن الأعمال بخواتيمها"...!

back to top