لبنان يدخل زمن العدالة بانطلاق جلسات «المحكمة الدولية»

بدر الدين وعياش أعدّا التفجير ونفذاه ومرعي أشرف على إعلان المسؤولية زوراً وعنيسي استدرج أبو عدس

نشر في 17-01-2014
آخر تحديث 17-01-2014 | 00:02
No Image Caption
انطلقت أمس المحاكمات في قضية اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري في 14 فبراير 2005، وسط آمال كبيرة يعقدها اللبنانيون على العدالة الدولية لمعرفة الحقيقة وتحقيق العدالة، في خطوة قد تؤدي إلى وقف مسلسل الاغتيالات السياسية الدامية التي حصدت العشرات من القادة السياسيين والكوادر اللبنانية.
بدأت أمس المحاكمات في جريمة اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري ورفاقه في المحكمة الخاصة بلبنان في لاهاي. وتحولت المحاكمة حدثا استثنائيا استقطب الاضواء والاهتمامات وسط تغطية اعلامية واسعة من عشرات الصحافيين اللبنانيين والاجانب. وافتتح رئيس المحكمة دايفيد باراغوانث الجلسة عارضا المراحل التي ستتخللها جلسات المحاكمة، وألقى كلمة أكد خلالها ان "المحكمة ستطبق حقوق المتهمين بالحصول على محاكمة عادلة، وأن الشهود بإمكانهم عرض الأدلة أمام المحكمة".

فاريل

وسرد المدعي العام نورمان فاريل في تصريح تمهيدي مراحل عملية الانفجار في 14 فبراير 2005 وعرض صورا عن الانفجار في ذلك اليوم. وأكّد فاريل أنّ "جهات داخلية وخارجية خططت لاغتيال الحريري"، مشيرًا إلى أن "المعتدين استخدموا كمية ضخمة من المتفحرات لتترك آثارا ضخمة في مكان الانفجار وتبعث رسالة مدوية".

وقال إن "المتهمين مصطفى بدر الدين وجميل عياش أعدا اعتداء 14 فبراير، أما المتهمان أسد صبرا وحسين عنيسي فعاوناهما في التنفيذ". وأوضح مهمة كلٍ من المتهمين في القضية، لافتا إلى أن "عياش كان مسؤولا عن مراقبة الحريري، وقد أشرف بمساعدة بدر الدين على التحضير المادي للاعتداء الذي استغرق 4 اشهر وراقبا الحريري لمدة 3 اشهر، أما مرعي فقد أشرف على إعداد إعلان مسؤولية الاعتداء زورا، في حين استدرج عنيسي أبو عدس، الرجل الذي ظهر في شريط مسجل بعد حصول التفجير متبنيا مسؤولية جماعته عنه".

وأكد أن "الأدلة مفصلة مع تعمق في جوانب محددة منها"، مشيرا إلى أنها "تنقسم إلى 3 فئات"، ولافتا إلى أن "منفذي الجريمة تركوا أدلة لتضليل التحقيق واستخدموا شبكات اتصال داخلية للتفجير".

القاضي مين

وعرض القاضي مين الحوادث التي شهدها يوم 14 فبراير، معدداً الأشخاص التي تحدث معها الرئيس الحريري في مجلس النواب وبعد مغادرته.

وقال: "بينما وصل الرئيس الحريري إلى المقهى نعرف أن حافلة (فان) بيضاء مرت عبر نفق سليمان فرنجية ثم قرب فندق سان جورج"، معددا الأماكن التي سلكتها الحافلة، وأضاف: "عند خروجها من النفق توقفت الحافلة إلى اليمين بعيدا من الأنظار، إلى أن توارت. وتم تحديد وقت وجود الرئيس الحريري وخروجه بالاستعانة الى الساعة التي تظهر بيد أحد النواب".

وأضاف: "سيبين الادعاء أن تغيير وجهة سير الحريري أدى إلى تجميد الاغتيال لفترة ريثما يواصل الحريري طريقه. وعندما قرر الحريري مغادرة البرلمان قاد سيارته ومعه باسل فليحان ونعرض صورة هي الأخيرة التي التقطت له في حياته".

وتحدث القاضي مين عن موكب الحريري وما يتضمنه من سيارات وكل سيارة ما هو دورها. وقال: "تبين صورة جوية لبيروت أن الموكب انطلق في اتجاه البحر وصولا إلى المارينا والالتفاف عليها. ومخرج النفق يظهر في الصورة نفسها. وبينما كان الموكب يسلك ذلك الاتجاه تبين لنا أن سيارة فان بيضاء انتقلت إلى قرب السان جورج يعتقد أنه الفان نفسه الذي شوهد في النفق. وأظهر شريط لاحق آثار الانفجار، وتبين أن الساعة على الكاميرا كانت تسبق الوقت الفعلي".

وأضاف: "ختاما يظهر الفان نفسه في الصور التي التقطتها كاميرات إحدى المصارف تغطي حركة السير الغربية في شارع ميناء الحصن". ثم عرض مجسم لمكان تنفيذ الاعتداء قرب فندق سان جورج.

وعرضت صور بينت الطريق التي سلكها الفان المستخدم في الاعتداء حتى لحظة خروج سائقه منه وتفجيره.

وأضاف القاضي: "في الوقت الذي اختفى الفان عن عدسة الكاميرا يبدو أنه توجه إلى نقطة الانفجار. ثم نرى شاحنة صفراء اللون تمر ويليها بعد لحظات موكب الشهيد الحريري".

وقال: "يتبين لنا أن الفان مر عبر المساحة التي تغطيها عدسة الكاميرا التي صورت تحركاته من اليمين إلى اليسار وكان يسير ببطء شديد حتى حصل الانفجار". وكان الموكب على وشك تجاوز الفان لحظة وقوع الانفجار.

وتابع: "يمكن تقدير الوقت المحدد للانفجار بين 3 و5 ثوان. والسائق كان انتحاريا. والعبوة فجرت يدويا، وما من أدلة عن تفجيرها من بعد، لاسيما أن سيارات الحريري كانت مزودة بجهاز تشويش للتفجير عن بعد وكانت شغالة. ووجدت آثار حمض نووي تعود إلى جثة مجهولة تحولت أشلاء تشبه أشلاء السيارة الأخيرة التابعة لموكب الحريري، ويمكن أن تكون جثة رجل انتحاري".

وأكد أن "قوة الانفجار الذي أحدث اهتزازا سجله مرصد بحنس، دفعت الحريري خارج السيارة ما يؤكد وفاته بسرعة"، واصفا اللحظات الأولى لمشهد اغتيال الحريري بـ"جحيم من صنع الانسان"، معتبرا أن "الشعب اللبناني كله كان ضحية هذا الاعتداء".

القاضي كاميرون

وقدم ممثل الادعاء في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان القاضي كاميرون عرضا حول اجزاء من الادلة ضد المتهمين في القضية، وأشار إلى أن "السيارة التي ظهرت في الكاميرات هي فان ميتسوبيشي نقلت من دولة الامارات وتم بيعها في معرض للسيارات في لبنان". وعرض بقايا محرك سيارة الميتسوبيشي "التي اختفت من مسرح الجريمة". واكد ان "الفيديو الذي تم عرضه لابي عدس، والذي تبنى العملية، كان لتشويه الحقائق وهو مزور". وأكد أنه "تمت المقارنة بين الحمض النووي لأبي عدس والأشلاء وتبين انها لم تكن متطابقة، وأنه تم التأكد من أن أجزاء السيارة المنفذة هي للميتسوبيشي".

ولفت إلى أنه "تم درس حجم الحفرة التي خلفها الانفجار لقياس حجم المتفجرة وطبيعتها"، وأن "الأضرار التي لحقت بالمباني المجاورة تؤكد أن العبوة لا يمكن أن تكون تحت الأرض"، لافتا إلى أن "شكل الحفرة يتلاءم مع المواد المتفجرة التي اتخذت شكلا مستطيلا ومسطحا". واوضح أن "حجم العبوة بلغ 2 طن من مادة RDX، وحجم المتفجرة وشكلها يؤكدان أنها كانت محمولة على ظهر الشاحنة"، مشيرا إلى أن "المجموعة المنفذة هي جزء من مجموعة أكبر".

وأشار إلى أن "التفجير تم بواسطة جهاز محمول على سيارة فان تحمل كميات من المتفجرات فجرها انتحاري مجهول الهوية"، لافتا إلى أن "اثنين من المنظمين كانا مسؤولين عن التفجير والمتهمون الآخرون تعاونوا معهما".

كما عرض القاضي كاميرون بيانات الاتصالات التي تم أخذها من شركتي "Alfa" و"mtc"، وبيانات الاتصالات التي أجراها المتهمون بعضهم مع بعض. واشار الى ان "هناك 4 أنواع من مجموعات الهواتف استخدمت لمراقبة رفيق الحريري وتم استخدامها من قبل المتهمين"، وذكر ان "عدد الخطوط الخلوية المستخدمة في عملية اغتيال الحريري بلغ 18، وتم شراؤها من منطقة تقع جنوب بيروت". وكشف ان "الهواتف الخمسة التي استخدمها منفذو اغتيال الحريري سدد فواتيرها شخص واحد".

وعرض كاميرون صورة لارقام الهواتف الخليوية الخاصة بالمتهمين، كما عرض صوراً لعقود شراء الخطوط الهواتف مع بيانات قيد إفرادية مزورة، وذكر ان "التزوير في عقود شركات الهواتف لم يكن للاحتيال على شركة "alfa"، ولكن للحؤول دون معرفة هوية من قام بشرائها"، واوضح انه "تم تزوير 9 نسخ من الوثائق الشخصية للحصول على عقود شركات الهواتف".

وذكر ان "المتهم سليم عياش أجرى اتصالاً أخيراً بالمتهم مصطفى بدر الدين قبل ساعة واحدة من اغتيال الحريري".

ولفت الى ان "المجموعة الأولى من الهواتف تتألف من 3 أجهزة تعود لـ3 أشخاص"، واوضح ان "الهواتف الزرقاء التي استعملت في اغتيال الحريري لم يتم استخدامها لتلقي الاتصالات او الرسائل القصيرة"، واوضح ان "الهواتف الزرقاء الثلاثة كانت إما وهمية او مأخوذة من أشخاص آخرين وكانت شبكة مغلقة أيضا".

الحريري: عدم تسليم المتهمين جريمة إضافية

قال رئيس الحكومة السابق سعد الحريري عقب حضوره جلسة المحاكمة في لاهاي أمس: "نحن هنا اليوم بفضل الشعب اللبناني وبإرادته. بفضل صبره وثباته، وبفضل التضحيات الغالية التي قدمناها جميعا. وبإرادة اللبنانيين واللبنانيات الذين لم يتوقفوا يوما عن المطالبة بالحقيقة والعدالة والمحكمة الدولية. وجودنا هنا اليوم هو بحد ذاته دليل على أن موقفنا منذ اللحظة الأولى وفي كل لحظة كان وسيبقى طلب العدالة، لا الثأر، وطلب القصاص، لا الانتقام. في قاموسنا، الرد على العنف لا يمكن أن يكون بالعنف، بل بمزيد من التمسك بإنسانية الإنسان، بالقانون وبالعدالة، وقبل كل شيء، بالإيمان بالله عز وجل".

وأضاف: "المحكمة الدولية لأجل لبنان انطلقت، ومسار العدالة لن يتوقف. ولا جدوى بعد اليوم من أي محاولة لتعطيل هذا المسار. إن حماية المتهمين بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه والإصرار على عدم تسليمهم الى العدالة، هو جريمة مضافة إلى الجريمة الأساسية الكبرى".

وتابع: "لقد هالنا بالتأكيد أن تكون هناك مجموعة لبنانية موضع اتهام مسند إلى أدلة وتحقيقات واسعة، وما كنا نتصور أن في صفوف اللبنانيين من يمكن أن يبيع نفسه للشيطان وأن يتطوع لقتل رفيق الحريري وتنفيذ أبشع عملية إرهابية بتلك الكمية الهائلة من المتفجرات. هذه الحقيقة جارحة وموجعة، ولكنها باتت حقيقة لا تنفع معها محاولات التهرب من العدالة، والمكابرة وإيواء المتهمين وحمايتهم".

وكان الحريري وصل مساء أمس الأول إلى لاهاي برفقة نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري والنائبين مروان حمادة وسامي الجميل والوزير السابق باسم السبع والنائب السابق غطاس خوري ومدير مكتبه نادر الحريري.

وفور وصوله استقبل الحريري وفدا من أهالي الشهداء في مقر إقامته، ولفت أمامهم الى أن "بدء المحاكمات يوم تاريخي يفتح صفحة جديدة للعدالة في تاريخ لبنان".

back to top