لكثرة ما تناقلت وسائل الإعلام العربية والعالمية صورهم وصور أعلامهم السوداء وأرتال سياراتهم فإنه يتبادر إلى الذهن في بعض الأحيان أن "داعش" هذه هي مجرد فقاعة إعلامية كبيرة، وأن الذين يقودونها بارعون في إلزام الفضائيات بحجز شاشاتها لهم على مدى ساعات الليل والنهار، وهذا ما جعل المآسي التي تحدث في العراق وفي سورية تغيب غياباً كاملاً، ولم تعد هناك قضية إلا القضية "الداعشية" وأخبار انتصارات هؤلاء وتهديدهم ووعيدهم وكأنهم "شمشون" الجبار ولكن في هذه المرحلة التاريخية.

Ad

إنه لا يمكن إنكار وجود "داعش"، إن في سورية وإن في العراق، وإنه لا يمكن إنكار دورها في انهيار جيش نوري المالكي وهروبه هروباً كيفياً من الموصل وتكريت وبعض المدن العراقية، لكن الواضح أن هناك تضخيماً أكثر من اللزوم لهذا التنظيم ولانتصاراته، وكأنه جنكيز خان الشهير الذي كانت المدن تسقط لسماع صهيل حصانه، وقبل أن يصل ويحاصرها.

الواضح أن هذا التنظيم يمتلك "ماكينة" إعلامية فعالة ومتفوقة، وإلا فكيف استطاع أن يحتل شاشات الفضائيات في العالم بأسره، وهنا فالسؤال: هل يا ترى أن كل هذا من فِعْل شبانٍ ربما يتقنون تفجير الرؤوس وجز الحلاقيم، لكنهم بالتأكيد لا يعرفون شيئاً عن اللعبة الإعلامية، وهذا يعني أنه ربما كانت هناك قيادة غير معروفة تعيش في الظل وفي المساحات الرمادية، وأن هذه القيادة باستخدام الإعلام استخداماً متفوقاً قد حوَّلت "داعش" إلى قضية كبيرة في العالم بأسره، وإلى "مغول" هذا العصر الذين يؤدي مجرد ذكرهم إلى إثارة الرعب وارتجاف الفرائص.

ما الجهة التي نفخت في "داعش" كل هذا النفخ، والتي تولّت مسؤولية ترويجها إعلامياً في العالم كله؟ إن ما نعرفه هو أن النظام السوري قد شارك في هذا الترويج لإقناع الغرب بأنه لا توجد أي معارضة فعلية، وأن الصراع المحتدم منذ أكثر من ثلاثة أعوام وخلَّف كل هذه المآسي وكل هذا الدمار والخراب هو صراع بينه وبين الإرهاب، وحقيقة فإنه بالإمكان القول إنه، أي النظام السوري، نجح في هذا التسويق الإعلامي نجاحاً كبيراً، وإلاَّ فما معنى أن يقول باراك أوباما في آخر تصريح له إنه لا توجد معارضة سورية "معتدلة" لديها القدرة على إسقاط بشار الأسد.

إن المشاهدين يرون على شاشات الفضائيات العربية صورة لطفل يحمل علماً "داعشياً" طويلاً وعريضاً ويركض به مرفرفاً في منطقة صحراوية خالية وخاوية لا يوجد فيها غيره، وغير معروف ما إذا كانت هذه المنطقة في سورية أو في العراق أو في جهة "ما" في أفغانستان... وهذا ينطبق على كل الصور التي تخرج من الموصل ومن كركوك وتكريت والقائم وراوه وعانة وأيضاً من دير الزور والرقة... فهل يا ترى لدى هذه الـ"داعش" كل هذه الإمكانيات الإعلامية والتصويرية؟ إن هناك أمراً غير معروف!

والغريب أنه تصدر في كل يوم، منذ بدء هذه التطورات "الدراماتيكية" الأخيرة، تأكيدات من فصائل وتنظيمات عراقية الثابت أنها هي صاحبة الأدوار الحقيقية بالنسبة لكل ما جرى، لكن الإعلام بكل وسائله يرفض الاهتمام بهذه التأكيدات ويصر على أن هناك "داعش" فقط، لا سواها، وأنها هي التي تجتاح المدن وتحقق كل هذه الانتصارات التي يتم تحقيقها بسرعة الضوء... فما هي المشكلة ولماذا الإصرار على "داعش" وعدم التطرق نهائياً إلى غيرها؟!

وهنا بالتأكيد فإن هناك من يريد تعميم التجربة السورية على العراق... ومن يريد أن يقنع العرب والعجم وسكان الكرة الأرضية كلهم بأن نوري المالكي لا يواجه معارضة فعلية ومطالب سياسية حقيقية، أولها تنحيته واستبداله، وإنما إرهاب و"داعش"، وهذا ما قاله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في برقية التأييد الكيدية التي بعث بها إلى رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته، وهو ما يقوله الإيرانيون على الطالع والنازل، وما اعتبر لحملات التجييش الطائفي والمسيرات التي غدت تجتاح يومياً بغداد وبعض المدن العراقية.