«طرح بحر»... مغامرة تشكيلية في مصر

نشر في 05-12-2013 | 00:01
آخر تحديث 05-12-2013 | 00:01
بعد ثلاث سنوات على آخر معارضه، استعاد التشكيلي المصري جميل شفيق حضوره الفني وأقام أخيراً معرضه «طرح بحر» في غاليري مصر في القاهرة، وضم 31 عملاً من النحت على الخشب، و13 لوحة بالأبيض والأسود، تميزت بتجسيد فضاء إبداعي متفرد، واستلهام مفردات التراث العربي.
معرض {طرح بحر} حلقة جديدة من رحلة الغوص في أسرار البحر، وعلاقته بالإنسان والكائنات الأخرى، واستكمالاً لمعارض جميل شفيق السابقة في التصوير ومهارة النحت، وتشكيله وفق طاقة شعورية متوهجة بالأمل والفرح بالوجود.   

لفت الناقد د. ياسر مُنجي إلى تفرد أعمال  شفيق، ومغامرته التشكيلية بين مجايليه ومن سبقوه في التعامل مع {طرح البحر}، وخلال رحلته الإبداعية، ظل  مُخلِصاً لخاماته الأثيرة {الحبر الصيني}، و{سن الريشة المعدنية}.

وأوضح أن شفيق زار الكثير من المدن الساحلية، والتقط  مجموعة من الأخشاب، قذف بها الماءُ بين يديه، ربما يكون هو قد تتَبَّعها قصداً في مواضع التقاء لليابسة بالماء، وربما يكون قد اعتمد في التقاطها على حدس باطني.

وفي معرضه الأخير، يطل شفيق على جمهوره بِوَصْفِه نحّاتاً، وتتخلى أنامله عن رهافة الريشة، مُستَبدِلاً إياها بالأزاميل والمطارق، ويباغتهم بلُقية مائية جديدة، ورؤى تتناغم مع دلالات وثيقة الصلة بمعطيات واقعنا العربي.

 و{طرح بحر} مشروع فني ممتد، ورؤية تشكيلية لا تتوقف عند حدود استلهام عوالم هذا الرحم البدائي الهائل، بل تتحقق فيها {مادةً وموضوعاً} شروط اللُقية البحرية و{الطَرْحة} النهرية.

ويغوص شفيق في تجربة وجدانية عميقة، ويحفز طاقاته الإبداعية نحو إضافات كيفية، وتراكم خبرات ما يزيد على نصف قرن من الإبداع، ويطلق العنان لخيال المتلقي، ورؤيته للوحة والتمثال، ومقاربة المعنى الكامن في وعي الفنان.

تنطلق من {طرح بحر} أصداء معارض شفيق السابقة والمجسدة لعالمه الفني، وخصوصية إبداعه بالأبيض والأسود، والألوان المائية، وتشكيل فضاء مزدحم بالتفاصيل، وثراء التجربة، ومغامرة النحت بخامة الخشب.

تتجسد مهارة شفيق في التعامل مع تلك الخامة صعبة المراس وتطويعها لشروط فن النحت، واتساق المعاني والمدلولات الحركية، والانفتاح على تيارات حداثية، والتوثيق بين الأفكار الرئيسة وأصالة التراث، وخصوصية التشكيل العربي.

أسرار

في «طرح بحر» استأنف شفيق منجزه في معارضه السابقة، واستعاد حضور مفرداته الأثيرة كالخيول والطيور وكائنات البيئة المائية، وتناغم ثباتها الانفعالي مع خصائص لغة البحر، وهدوئه وصخبه المباغت.  

وتجسد منحوتة «الطائر» طاقة شعورية متحفزة، غموض الصمت الذي يسبق الحركة الثائرة، التحليق عالياً فوق زرقة البحر، الدلالة الحركية للرغبة في التمرد على جاذبية الأرض، وتداعيات التوق إلى الحرية في فضاءات رحبة.  

ويطل «الثور» برأسه المنكسة، وزاوية الرؤية في بحثها عن الماء المفقود، وجدل عينيه مع المرئي الصادم، واستدارة التأهب للانفلات من قاعدة الارتكاز، والتحرر من وهم القيود، واستعادة ذاكرة الانطلاق في المراعي الخضراء.  

وتختلف دلالة الرموز من عمل إلى آخر، وتتفق مع المزاج الشعوري للفنان ورؤيته للعالم الخارجي وقناعاته بأهمية التواصل بين الإنسان والكائنات الأخرى، ودرجة الفرح بالوجود وسحر الطبيعة، واكتشاف منابع الخيال في أسرار البيئة المائية.

 وتتابع أعمال شفيق الموسومة بالمغامرة والتجريب واستلهام عميق للتراث، وإدراك لتوظيف الرموز الدالة على الفرح والخير والأمل، فضلاً عن العودة إلى نقاء الطبيعة وتأصيل القيم الإيجابية للإبداع ومجابهة الاغتراب الفني والفكري.     

أشار الفنان محمد طلعت إلى أهمية «طرح بحر» في تحريضه لمخيلة المبدعين لسبر أغوار البحر بغموضه وأسراره، واكتشاف الصورة الجمالية لهذا الفضاء الآسر، وعوالم السحر والجمال والهواجس والخيالات الفريدة.

وأشاد الحضور بالمعرض وتجلياته الفنية والفكرية واستشراف آفاق إبداعية رحبة، ومقاربة الفنان للمخيلة العربية، والتعبير عن طبيعة اللحظة الراهنة وتأثيرها الوجداني على الوعي الجمعي، ودور الفنان في تشكيل ذائقة الناقد والمتلقي، وارتياد فضاءات غير مسبوقة.

تجريب وأصالة

حفلت أعمال جميل شفيق باهتمام نقدي، واجتذبت جمهوراً كبيراً من محبي الفنون الجميلة، ومنذ تخرجه في كلية الفنون الجميلة (قسم تصوير) 1962، حقق حضوره الفني، وتميزت رسوماته ومنحوتاته بالرمزية والمزج بين الأصالة والتجريب.  

وصف الناقد مختار العطار أعمال شفيق بقدرتها على مخاطبة جمهور الفنون الجميلة بلغة الشكل والخط والملمس والظلال والأضواء والإيقاع والتكوين والرمز والإشارات، وبأسلوب يمزج بين الواقعية والشاعرية، وسحر التكوينات الغامضة.

يذكر أن جميل شفيق (75 عاما) أحد أبرز المصورين المصريين، بدأ مسيرته في عام 1959 كرسام صحافي، وعمل خبيراً في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم {إيكو{ بين 1979 و1984.

أقام شفيق معارض خاصة كثيرة، من بينها معرض {ألوان مائية} في قاعة إكسترا في القاهرة عام 1995، و{أبيض وأسود} في مركز الإسكندرية للإبداع عام 2004.

وشارك في ورشة عمل دولية لفنانين من عشر دول {باكو{ رومانيا 1995، وبينالي الإسكندرية الثامن عشر لدول حوض البحر المتوسط 1994، ومعرض {أبيض وأسود} باريس 2002.  

حاز جميل شفيق على جوائز دولية، من بينها جائزة لجنة التحكيم في بينالي الإسكندرية الثامن عشر لدول حوض البحر المتوسط 1994، ونال تكريماً خاصاً في المعرض العام للفنون التشكيلية في قصر الفنون 2013.

back to top