طه حُسين والعويس

نشر في 12-11-2013
آخر تحديث 12-11-2013 | 00:01
 طالب الرفاعي لا أظن أن وقتاً عربياً مضطرباً ومشوّشاً كان بحاجة إلى الوقوف أمام القامة العالية لعميد الأدب العربي الدكتور طه حُسين (1889-1974) إنساناً ومفكراً وأديباً كما نحن اليوم. طه حسين ذاك الصبي الصغير الذي فقد بصره، فسعى سعياً محموماً لأن ينير بصيرة أمة بأكملها. ذاك «المستكفي بذاته» الذي أراد له أحد أصدقاء أبيه أن يكون «مقرئاً على القبور» فصار قارئاً تستمع إليه أمم الأرض. طه حُسين الذي حفظ القرآن ولم يتجاوز سنه السابعة، ما لبث أن استخدم القرآن ليكون حجته في الفكر والتفكير والتراث ومسيرة درب الحياة. طه حسين الذي طُرِدَ من الأزهر لرفضه التلقين والتصديق على مالا يؤمن به.

كان أول المنتسبين إلى الجامعة المصرية التي فتحت أبوابها عام 1908، ونال الدكتوراه منها، قبل أن يحصل على أعلى الشهادات من الجامعات الفرنسية، وليعود إلى بلده مصر ممسكاً بذراع رفيقة دربه زوجته السيدة الفرنسية السويسرية «سوزان بريسو» التي كتب لها ذات مرة: «بدونك أشعر أني أعمى حقاً. أما معك، فإني اتوصل إلى الشعور بكل شيء، واني امتزج بكل الأشياء التي تحيط بي».

في 28 أكتوبر عام 1973 انتقل الدكتور طه حسين إلى رحمة الله، ولذا صادفت في أواخر الشهر الماضي الذكرى الأربعين لوفاته. وقد سعت مؤسسة «سلطان بن علي العويس الثقافية» مشكورة إلى الاحتفاء بهذه الذكرى وإحيائها بما تستحق، حيث احتضن مبناها في دبي، ندوة أدبية يومي 3-4 نوفمبر الجاري، شارك فيها (13) محاضِراً من مختلف أقطار الوطن العربي، وسُلطت خلالها الأضواء على الأرث الإنساني والفكري والأدبي لعميد الأدب العربي.

آمن الدكتور طه حسين بأن التعليم ضرورة من ضرورات الحياة لا تقل قيمةً عن المأكل والمشرب، وجاهد ما أمكنه إلى ترسيخ فكرة حرية المفكر والأديب في قول قناعته، ومن ثم مواجهة الحجة بالحجة، وخاض طوال حياته معارك فكرية وأدبية، وكان في كل ذلك منفتحاً على الحوار وعلى الاستماع إلى صوت العقل والفكر، وعلى كرامة المفكر واعتزازه بنفسه، وليس أدل على ذلك من موقفه عام 1930، حين كان عميداً لكلية الآداب ورغبت الحكومة في تقديم شهادات فخرية لعدد من السياسيين من كليته، فاعترض ورفض ذلك بسبب قناعته بأن أولئك لا يستحقون التكريم من كليته، مما حدا بالحكومة إلى منحهم شهادة الدكتوراه الفخرية من كلية الحقوق، وقام في حينه وزير المعارف بنقله إلى ديوان الوزارة لكنه رفض ذلك، واستمر يكتب قناعته ويخوض معركته إلى أن اتخذ مجلس الوزراء قراراً بإقالته من الجامعة.

إن المتأمل لمسيرة طه حسين الإنسانية والفكرية والأدبية، ليرى إنسانا معجونا بالكرامة والاعتزاز بالنفس، ومجبولا على قول الصدق والحق أيا كانت النتائج المترتبة على ذلك، وسائرا في درب الفكر المستنير دون الالتفات لصراخ المتزمتين والجهلة، ومعانقاً كل أفكار الإنسانية السامية، ورافضاً بقوة لكسر شوكة الإنسان واستعباده. وهو قبل هذا وذاك، إنسان فاقد للبصر، متيقظ ببصيرته، اتخذ من الكتاب صديقاً له، وأصرَّ على أن تأخذ أفكاره مكانها الباقي، ونال لقب عميد الأدب العربي، ليحفر اسمه خالداً بين عظماء البشر.

إن وقوف مؤسسة العويس الثقافية، وعدد قليل جداً من المؤسسات الثقافية العربية، يُعدّ على أصابع اليد الواحدة، للاحتفال بذكرى وفاة الدكتور طه حسين، ليدلل على إدراك المؤسسة لأهمية هذا المفكر، وضرورة استحضاره لساحة المشهد الثقافي العربي، ليكون في متناول اهتمام شباب اليوم في الوطن العربي، في فترة قاسية ومؤلمة من فترات تضعضع الأمة العربية. فترة يحاول الكثيرون تغييب العقل والرجوع بالأمة إلى عهود الظلام.

back to top