لا مجال للمقارنة بين السيسي والأسد
لا أكْذَبَ من حسابات "الإخوان المسلمين"، التي تحدثت عن أن عشرة في المئة فقط من الشعب المصري قد شاركوا في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، إلا حسابات "أهل" النظام السوري وأزلامه الذين أعطوا لرئيسهم، الذي لم يكن في حاجة إلى هذه الانتخابات المضحكة حتى حدود "البرْطعة" ما دام أنه ورث هذا "المجد"! عن أبيه على أساس: "إلى الأبد يا أسد"، أكثر من عشرة ملايين صوت... وغير معروفٍ من أين أتوا بهذه الأصوات، وأكثر من نصف السوريين، الذين يُقدَّر عددهم بنحو ثلاثة وعشرين مليوناً، إمَّا أصبحوا من سكان المقابر المجهولة، أو غدوا لاجئين، إنْ داخل بلدهم أو خارجه، أو أنهم من سكان المدن والقرى والمناطق التي يسيطر عليها الجيش الحر وقوات المعارضة السورية.إنه يمكن قبول أن نسبة المشاركة في هذه الانتخابات قد "تجاوزت" 73 في المئة، ولكن على أساس أن أعداد الذين أدلوا بأصواتهم لا تصل إلى ربع الـ10 ملايين و319 ألفاً و723 صوتاً الذين وجدت أوراقهم في صناديق بشار الأسد، الذي لم يكن بحاجة إلى هذه المسرحية المكشوفة مادامت معظم مدن ومناطق سورية الرئيسية لم تشارك في هذه الانتخابات، مثل الـ"بوكمال" ودير الزور والقامشلي والحسكة وحلب وإدلب وحماة وحمص ودرعا وكل أرياف دمشق الغربية والشرقية والجنوبية والشمالية وكسب وجوارها، وما دام أن المكوِّن الأساسي للشعب السوري وغالبيته هو المستهدف بهذه الحرب المدمرة... والمثل يقول: "شو عرَّفك إنها كذبة... قال منْ كبرها".
في كل الأحوال إذا كان المقصود بكل هذه الأرقام وكل هذه النسب التي ذكرها رئيس مجلس الشعب السوري بدون أن يرف له جفن هو محاولة المشاغبة على نتائج الانتخابات الرئاسية المصرية الأخيرة، فإنه لابد من ذكْر الحقائق التالية: أولاً، المشير عبدالفتاح السيسي يداه غير ملطختين بالدماء كيدي بشار الأسد ويدي والده. وثانياً، أنه لا تدور في مصر، تحرسها عين العلي القدير، حربٌ أهلية طاحنة كهذه التي تعرك "القطر العربي السوري" عرك الرحى بثفالها. وثالثاً، أنه لا يوجد على أرض الكنانة مهجرون ولاجئون لا في الداخل ولا في الخارج تقدر أعدادهم في سورية بنحو 8 ملايين لم يشارك أيٌّ منهم في هذه الانتخابات. ورابعاً، أن الشعب المصري لا يعاني تسلطاً طائفياً من إحدى فئاته على الطوائف الأخرى، وأنه لا توجد في مصر أيُّ جيوب طائفية. وخامساً، أن الانتخابات المصرية الأخيرة قد جرت تحت رقابة دولية صارمة في حين لم تُراقَب الانتخابات السورية إلا من المخابرات الإيرانية ومخابرات "حزب الله" وبعض المراقبين الروس الذين راقبوا عن بعدٍ، وبالتالي فهم لم يراقبوا شيئاً. وبالتالي فإنه لا يوجد أي مجالٍ لتشبيه الانتخابات السورية بالانتخابات المصرية، فالانتخابات السورية، هذا إذا كان يمكن اعتبار هذه المسرحية انتخابات، أُجريت لإعطاء بشار الأسد "شرعية" كان قد فقدها "للأبد" منذ أن اختار مواجهة احتجاجات الشعب السوري السلمية بالدبابات والصواريخ والبراميل المتفجرة، ومنذ أن حوّل المواجهة مع هذا الشعب، الذي لم يعد شعبه، إلى حرب طائفية يقودها الولي الفقيه من حوزته في طهران، وتشارك فيها كل هذه الشراذم المذهبية المستوردة من لبنان والعراق وإيران وأفغانستان وباكستان... أما الانتخابات المصرية فجاءت لتثبيت أهداف ومعطيات وتطلعات ثورتي يناير ويونيو، ولاختيار رئيسٍ يحظى بإجماع المصريين ولا علاقة له لا برؤساء: "من المهد إلى اللحد" ولا بشعار: "إلى الأبد يا أسد".لقد كان هدف الانتخابات المصرية تثبيت تصحيح مسار ثورة "يناير"، التي، بشهادة وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري غير المجروحة نظراً للدعم الذي قدمته دولته ولا تزال تقدمه لهذه "الجماعة"، قد اختطفها الإخوان المسلمون دون أن يشاركوا فيها المشاركة الفعلية والحقيقية، ولقد جاء اختيار المشير عبدالفتاح السيسي بكل هذه الأرقام الفلكية الفعلية بعد تجربة مأساوية وبائسة لعام كامل مع رئاسة محمد مرسي التي تأكد المصريون، بالأدلة القاطعة، أنها ستأخذهم إلى حكم الحزب الاستبدادي والشمولي الأوحد، وأنها ستغتال ثورتهم كما اُغتيلت ثورات كثيرة على مدى حقب التاريخ... وأن هؤلاء الإخوانيين الذين تكالبوا على السلطة كتكالب الأكلة على القصعة سيجعلون الانتخابات التي جاءت بهم إلى الحكم هي الانتخابات الأخيرة، وأنهم بعد أن "يتمكنوا" سيقومون بحملات تطهيرية شاملة لإلغاء كل الآخرين وتحويل مصر بعظمتها وتنوعها إلى مجرد لون سياسي وحزبي واحد.وما يؤكد أن الإخوان المسلمين قد خذلوا الشعب المصري وفشلوا في تجربة العام الذي حكموا فيه، بواجهة غير مقنعة بدون أيِّ "كاريزما" ومسحوبة الدسم، أنهم قد أُسقطوا بانتفاضة شعبية شارك فيها نحو 30 مليون مصري، وأنهم فقدوا ما تبقى لهم من رصيد سابق عندما عادوا بعد فقدانهم الحكم إلى طبيعتهم العنفية، وقاموا بعمليات إرهابية إجرامية ضد الجيش المصري وضد الأجهزة الأمنية المصرية... وحقيقة، هذا هو ما جعل المصريين ينظرون إلى المشير عبدالفتاح السيسي على أنه "المُخلِّص" المنتظر والمطلوب، ولذلك فإنهم منحوه ثقتهم من خلال الذهاب إلى صناديق الاقتراع بكل هذه الأعداد الغفيرة، وصوّتوا له بكل هذه الأرقام الفلكية... وبالتالي فإنه من العيب المقارنة بين الانتخابات الرئاسية المصرية الأخيرة وبين الانتخابات السورية... ومن المعيب حقاً المقارنة بين السيسي وبشار الأسد.