عولمة المسلمين والكفار!
العولمة تشمل تدفق المعلومات بشكل مكثف وسريع عبر قارات العالم، وتطور وسائل النقل والمواصلات والاتصالات بطريقة مذهلة، الأمر الذي يجعل الدنيا برمتها شاشة كبيرة، ويحول ساكني الكرة الأرضية من أقصى الشرق والغرب، وعلى امتداد الشمال والجنوب، إلى مشاهدين لعروضها في بانوراما خيالية تفوق الوصف.
عندما نتناول مفهوم العولمة وتطبيقاتها تصيبنا الدهشة والإعجاب بمدى تقارب شعوب العالم وتفاعلها المتبادل في شتى نواحي العلاقات الإنسانية، فالعولمة لم تعد تعني التشابك الاقتصادي وتشابه المؤسسات والثقافات وانتشار ذات المطاعم والملابس وتسريحات الشعر وغيرها من أنماط السلوك في الحياة اليومية.العولمة تشمل أيضاً تدفق المعلومات بشكل مكثف وسريع عبر قارات العالم، وتطور وسائل النقل والمواصلات والاتصالات بطريقة مذهلة، الأمر الذي يجعل الدنيا برمتها شاشة كبيرة، ويحول ساكني الكرة الأرضية من أقصى الشرق والغرب، وعلى امتداد الشمال والجنوب، إلى مشاهدين لعروضها في بانوراما خيالية تفوق الوصف. أما أبرز غاية في فلسفة العولمة فتكمن في خلق ثقافة التجانس بين الأجناس البشرية مهما اختلفت خلفياتهم وانتماءاتهم ومذاهبهم وألوانهم، متباعدين كانوا في الرحاب الكوني الكبير أم استقروا في مكان واحد، وقد لفت انتباهي وبشكل ملحوظ أثناء زيارة سريعة للندن إحدى صور هذه العولمة المصغرة التي تدعو للإعجاب من جهة وللأسى والمرارة من جهة أخرى.شوارع العاصمة اللندنية وطرقاتها دائماً مكتظة بالبشر من كل حدب وصوب، بل إن هذا البلد العريق يؤوي العديد من الجنسيات التي هربت من أتون الحرب والصراع في بلادها على مدى عقود طويلة من الزمن، ففي عقد الثمانينيات كان العراقيون والأكراد تحديداً لافتين للنظر في أي مكان من ضواحي لندن، ثم بدأ تدفق الكروات والبوسنيين، وحالياً تجد الجنسية الصومالية والسودانية، وبالطبع غيرهم الكثير من مختلف دول العالم.هذا الوجود التاريخي الطويل أذاب كل هذه الملل والشعوب في بوتقة واحدة مع من سبقهم من الفلسطينيين والهنود، وهذا ما يمكن ملاحظته بشكل لافت في المحال التجارية العديدة خاصة على امتداد شارع إكسفورد، فكلما دخلت أحد المتاجر والأسواق وجدت الموظف العربي إلى جانب الموظفة اللاتينية والآخر الآسيوي مع الإفريقي، وهذا المسلم مع ذلك المسيحي أو البوذي، وتلك الفتاة المحجبة مع الهندي المرتدي عمامة السيخ، كل هذه الأجناس البشرية تعمل جنباً إلى جنب مع الإنكليز بكل تلقائية ونشاط ومهنية، تمتد بهم ساعات العمل الطويلة من الصباح حتى المساء وهم في محيط عمل صغير لا تفارقهم الابتسامة والأحاديث الودية والتعاون.أمام هذا المشهد المذهل يتساءل المرء: كيف يمكن لهؤلاء جميعاً أن يتعايشوا وفق هذا النمط من الحياة، ويشكلوا نسيجاً بشرياً موزاييكي المظهر، بينما لا نستطيع أن نتعايش نحن في بلداننا رغم وحدة ترابنا وهويتنا الوطنية، لا من حيث الكراهية والإقصاء، بل لدرجة قتل بعضنا بعضا بالسيارات المفخخة أو السيوف والسكاكين، والسب والشتم على الفضائيات ليل نهار، ونحن من نزل بين ظهرانينا القرآن الكريم الذي يتلو من بين آياته العطرة "وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا"؟!هذه المفارقة المؤلمة تثير تساؤلين هما: لماذا الغرب "الكافر" بهذه الروح من التسامح بينما نحن "المسلمين" بهذه الدرجة من التخلف والتطرف؟ هل الخلل في ثقافتنا أم في أنظمتنا السياسية أم في جيناتنا وموروثاتنا؟!