دبلوماسية «تنقية الأجواء»
يقول كريستوفر هيل في تعريفه للسياسة الخارجية انها عملية مستمرة من التدويل لقضايانا اليومية، وفي موقع آخر تعرف السياسة الخارجية بأنها باقة من العلاقات الخارجية التي تتمتع بها الدولة وتنسج تلك العلاقات كلاعب مستقل.ويأتي التحليل السليم مفتاحاً رئيسياً لفهم ماهية السياسة الخارجية، وذلك من خلال تحليل الأحداث وربطها بتاريخ الدول تارة وبنظريات العلاقات الدولية تارى أخرى حتى تزدهر وتنمو الباقة أو تشكيلة العلاقات الخارجية.
أقول ذلك بعد مساهمتنا كباحثين في العلاقات الدولية في حلقات نقاشية وفكرية خلال الأسبوعين الماضيين حول مواضيع متعددة منها مجلس التعاون الخليجي والمبادرات المطروحة.ومن ملاحظاتي حول آليات التحليل السياسي المستخدمة من المتابعين من أعضاء الجسم الصحافي والأكاديمي أيضاً أن البعض ينظر إلى الموضوع بعين ضيقه جداً، غافلاً عن أثر المتغيرات العالمية والمرتبطة بالبيئة الدولية على السياسة الخارجية في منطقة الخليج.والعامل الثاني هو أثر السياسة المحلية على عملية اتخاذ القرار، وأعني بذلك حركة المؤسسة التشريعية وتفاعلها مع القضايا والعلاقات الخارجية، كتفاعل الوفود البرلمانية الخليجية مع القضايا التي أثارها البرلمان الأوروبي واقتراب المسافة بين مجالس الخليج التشريعية والاستشارية مع متخذي القرار من قادة دول مجلس التعاون، كما تابعنا من خلال قمة الكويت هذا العام، بالإضافة إلى القرارات المحلية الصادرة من الدول المعنية والتي تمس الاقتصاد بشكل مباشر، فيستطيع الباحث بذلك أن يدخل في المعاني العميقة لتفسير عملية اتخاذ القرار في السياسة الخارجية بدلاً من الاكتفاء بنشرات الأخبار فقط وما يظهر على السطح. ولو بحثنا، على سبيل المثال، في سبل تناول الباحثين لقضية تمكين إيران من شق طريقها بهوية جديدة إلى المجتمع الدولي، لوجدنا أن البعض اختار الاستناد إلى "الأبعاد النفسية" من سلوك إيران بفترة الثمانينيات وتهديدها بتصدير الثورة، والبعض الآخر اختار النسق التاريخي واستند إلى اعتماد الولايات المتحدة بنهاية السبعينيات على نظام "الأعمدة الثنائية" twin pillar في منطقة الشرق الأوسط المسمى بـ"بعقيدة نيكسون" حيث كانت آنذاك إيران والمملكة العربية السعودية اللاعبين الأساسيين في المنطقة.بينما يذهب الباحث غوز في ورقته المنشورة بمجلة هارفارد للعلوم السياسية إلى أن المملكة العربية السعودية تتمتع بأبعاد جيوسياسية في المنطقة في الوقت الذي تفقد فيه إيران بعداً جيوسياسياً عميقا في المنطقة والمتمثل بحليفتها سورية. نستخلص من ذلك أن أمامنا طريقاً طويلاً لاستيعاب أدبيات التحليل السياسي السليم وتحديثه.أما محلياً فكلمة حق يجب أن تقال فعلينا استكمال سياسة "تنقية الأجواء" التي أعادت تفعيلها الكويت هذا العام من خلال تبني وزارة الخارجية وعلى رأسها الوزير النشيط الشيخ صباح الخالد وفريقه الدبلوماسي الفاعل نهجاً إنسانياً وتنموياً يتسم بالحياد ويبتعد عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول، توجته استضافة الكويت للأطراف الدولية الفاعلة بشكل دوري ومستمر عبر مؤتمرات إقليمية ودولية ناجحة.كلمة أخيرةتوجه عدد من أبنائنا الشباب من هواة الآثار والتصوير إلى موقع أثري قبل عدة أيام، فانهار الموقع قبل وصولهم بدقائق مصيباً عاملاً آسيوياً، كان الله في عون أسرته. الموقع يخلو من الإعلانات التحذيرية ومؤسسات العمالة لا تلتزم بأبجديات السلامة لموظفيها... فهل ننتظر المزيد من الكوارث؟