قد لا تكون جميع المجالس السابقة على مستوى طموح الكويتيين، وكل مجلس له زلاته وعيوبه وسوابقه من البدع السياسية، ولكن لم يتجرأ نوابنا منذ عام 1963 على المساس بسيادة الدولة وتسليم رقاب الكويتيين طواعية لحكومات أجنبية مهما بلغت درجات الود والاحترام معها، أما هذا المجلس فقد أعلن استعداده وسعادته للمضي في هذه المخاطرة.
مجلس الأمة الحالي لم يتبق له سوى ورقة التوت التي باتت على محك الاتفاقية الأمنية الخليجية المتوقع مناقشتها والتصويت عليها، فمجلس السوابق هذا لم يترك في حياته القصيرة ما من شأنه تشويه سمعة الديمقراطية، وتمثيل الأمة وتفريغ الدستور من محتواه إلا أبدع فيه؛ ناسفاً البقية الباقية من هيبة البرلمان وإرادة الشعب الكويتي ومكتسباته على مدى قرن من الزمان!قد لا تكون جميع المجالس السابقة على مستوى طموح الكويتيين، وكل مجلس له زلاته وعيوبه وسوابقه من البدع السياسية، ولكن لم يتجرأ نوابنا منذ عام 1963 على المساس بسيادة الدولة وتسليم رقاب الكويتيين طواعية لحكومات أجنبية مهما بلغت درجات الود والاحترام معها، أما هذا المجلس فقد أعلن استعداده وسعادته للمضي في هذه المخاطرة ونسف الغضب الشعبي العارم والرفض القاطع لهذه الاتفاقية، وبلغ حد المسخرة السياسية أن يربط بعض النواب هذه الاتفاقية بالناحية الشرعية أو كتهديد لخصومهم والدعوة إلى تأديبهم من الخارج.وهذا الموقف المتشنج طغى على سلوكيات عدد كبير من أعضاء مجلس الأمة وقراراتهم سواء ما يتعلق بالاستجوابات التي تحولت إلى مسرحيات مكشوفة، وشطب مادتها الموضوعية وإلغائها، أو إقرار القوانين المهمة خصوصاً ما يفتح باب الإصلاح السياسي والمالي والإداري إلى مجرد عناوين فارغة من المضمون، وانتهاء بمثل هذه الاتفاقية التي أجمع الخبراء الدستوريون والشخصيات السياسية الوطنية والحس الوطني بعمومه، وباتفاق مكوناته، على مخالفتها الصارخة للدستور وتهديدها لمبدأ الحريات العامة لكل مواطن كويتي.لعل الاتفاقية الأمنية أشبعت بحثاً لا سيما في البعدين القانوني والدستوري، ولم تفلح الحكومة عبر تسخير صحفها وتلفزيون الدولة للمسؤولين الرسميين وبعض المؤيدين لها في التسويق لهذه الاتفاقية، بل عرّضت قيادات "الداخلية" و"الخارجية" لإحراجات شديدة ومحاولة التبرير لأفكار هم غير مقتنعين بها أصلاً، فكان عرضهم المرتبك سبباً إضافياً في تعزيز الرأي المخالف، ومع ذلك فلا بد من توضيح نقطتين جوهريتين قد تنسفان الاتفاقية من أساسها.النقطة الأولى: تتعلق بالمادة رقم (1) التي تنص على "أن تتعاون الدول الخليجية وفقاً لتشريعاتها الوطنية والتزاماتها الدولية"، فتشريعاتنا الوطنية في إطارها الدستوري وكذلك التزاماتنا الدولية باتفاقات حقوق الإنسان تمنعنا قطعاً من تنفيذ معظم المواد العشرين الواردة في الاتفاقية الأمنية، خصوصاً ما يتعلق بتسليم المتهمين للخارج خصوصاً من المواطنين أو السماح لأجهزة أي دولة أجنبية لحضور التحقيقات، الأمر يسقطها قانونياً أمام القضاء، ولذلك ما الفائدة من إبرام الاتفاقية إذا لم تكن تشريعاتنا تسمح بأن نتعاون في إطارها؟النقطة الثانية: تمثل البعد السياسي في طبيعة الحكومات السائدة في المنطقة، ومدى التزامها بالمعايير الدولية في مجال الحريات العامة وحقوق الإنسان والانفتاح السياسي، وقد يكون هذا من شأن دول الخليج الداخلية فيما ترتضي من نظام حكم، ولكن ما الغرض من وضع منظومتنا الأمنية في إطار حكومات مغلقة غير قابلة للرقابة الشعبية واستقلالية القضاء، وموقعها في مجال الحريات الإعلامية في الترتيب رقم 90 فما فوق عالمياً، وفي مجال احترام حقوق الإنسان في الترتيب 82 فما فوق، ولك أن تتخيل طبيعة التعامل الأمني في ظل هذه الظروف والمعطيات؟!عموماً يبقى عامل الضغط الشعبي الشديد وبكل الوسائل المتاحة على الحكومة ومجلسها التابع في جيبها هو الملجأ الأخير لرفض هذه الاتفاقية، لأن "اللي فينا كافينا"!
مقالات
مجلس الأمة وورقة التوت!
18-02-2014