احذروا دخول المنطقة الرمادية!
تمر العلاقات البشرية خلال عمرها بمختلف العثرات والأنات بطبيعة الحال، الأمر الراجع إلى قصور بني الإنسان وبُعده عن الكمال أساسا، فما من إنسان كامل، وما من شخص إلا يقع في يوم من الأيام في التقصير أو الإساءة دون قصد تجاه من يحبهم أو يرتبط بهم.والإنسان الراجح العقل يدرك هذا تماما، ويعرف أن من مقتضيات نجاح علاقاته مع من حوله من أرحامه وأحبابه وأصحابه أن يمتلك قدرا نفسيا وافرا من القدرة على التسامح والصفح، وتجاوز الزلات والعثرات والتقصير الذي قد يبدر من هؤلاء الأرحام والأحباب والأصحاب نحوه.
لا يمكن أن نجد بشرا كاملا في يومنا هذا مهما بحثنا، وأقرب شيء إلى حدود الكمال أن يؤمن الواحد منا تماما بألا كمال فيتوقف عن البحث عنه وافتراضه لا شعوريا في بني الإنسان، ولذلك من الواجب علينا أن نسامح ونغفر ونتجاوز، فنمضي إلى الأمام معتبرين أن هذا من مقتضيات الحفاظ على وجود هذه العلاقات في حياتنا واستمرارها. هذا إن كان يهمنا طبعا وجودها واستمرارها. هذا التسامح والغفران والتجاوز هو بمنزلة الثمن الذي يجب أن نقدمه في سبيل استبقاء من نحب ومن يعنينا أمرهم ومن يهمنا وجودهم في حياتنا. في اللحظة التي نجد فيها أن الإساءة قد أضحت من الفداحة بمكان أو أنها غدت كثيرة التكرار، بحيث صار التفكير بعزة أنفسنا وكرامتنا وألمنا يسبق تفكيرنا بمكانته وقيمته وأهميته ومحبته في التبادر إلى أذهاننا، يجب علينا حينها أن نوقف عجلة التفكير في ذلك الاتجاه ونسأل أنفسنا بكل صراحة ووضوح، ما مقدار قيمة هذا الإنسان وأهميته بالنسبة إلي في هذه اللحظة؟ وهل يستحق مني أن أقدم له هذا النوع من التنازل والتضحية أم لا؟من حقك تجاه من تحبهم أو يعنيك أمرهم، وفي بعض الحالات من الواجب عليك كحالة علاقتك بوالديك وما شابه، أن تسلك أحد المسارات التالية: إما أن تسامح وتغفر وتتجاوز مضحيا لأجل استمرار هذه العلاقة، وإما أن تواجه الطرف الآخر بكل وضوح، رغبة في الإصلاح وإنجاح العلاقة لا المشاحنة والعراك، بما آلمك منه أو جرح شعورك شريطة أن تصل معه إلى معالجة حقيقية واضحة بحيث لا يترك الأمر رماديا معلقا، وإما أن تقرر تنزيل درجة العلاقة أو ربما قطعها بالكامل، إن كان ذلك ممكنا أو متاحا.عدم اتخاذ أي من هذه الخطوات، وإبقاء العلاقات في المنطقة الرمادية بعيدا عن شمس الوضوح يبقيها في حالة من النكد المحتمل على الدوام ويبقي سحب الغم معلقة في سماء المنطقة طوال الوقت، مؤذنة أن تمطر مشاحنات متكررة وخصومات متواصلة وربما أسوأ من ذلك في أي لحظة. وأسوأ ما يقترفه الإنسان في حق نفسه، أن يظل محتفظا بسجل لإساءات الأطراف الأخرى وتقصيرها في حياته، ولا ينفك ينغزهم بها بين فترة وأخرى، هزلا وجدا، لأن هذا التصرف الأخرق لن يساهم إلا في زيادة توتير العلاقة وإيلام الطرفين في نهاية المطاف، ولن يعالج شيئا أبدا.على المرء أن يكون سيد عقله وسيد مشاعره، لا أن يكون عبدا لها تطيح به ذات اليمين وذات الشمال حين تعتريه حالات الغضب والانفعال، ولهذا عليه أن يعرف على وجه الدقة قيمة كل شخص من حوله وأهميته وموقعه، وأن يتخذ قراراته فيدير مشاعره تجاههم على هذا الأساس، وألا يترك علاقته بهم تسقط في مستنقع المنطقة الرمادية.