جرى أمس للرئيس اللبناني وداع مشرِّف، فغادر رئاسة الجمهورية بوداع مهيب، في نهاية ولايته التي استمرت ستة أعوام، وسط أزمة تكررت قبل توليه منصبه في 2008 بشأن اختيار خليفة لقيادة البلد، الذي دفع انقسام أقطابه إلى دخوله في فراغ حتمي.

Ad

غادر رئيس لبنان ميشال سليمان القصر الجمهوري أمس، بمراسم احتفالية وداعية، تاركا «الفراغ» في سدة الرئاسة الاولى بعد الإخفاق الهائل للجمهورية والطبقة السياسية في اختيار رئيس جديد بعد 5 جلسات نيابية للانتخاب.

وفي حضور نحو 450 شخصية تقدمهم رؤساء ووزراء ونواب ودبلوماسيون وشخصيات اجتماعية واعلامية، دخل سليمان قاعة الاحتفالات بقصر بعبدا، وألقى خطاب الوداع الذي ضمنه مواقف بارزة لاسيّما في التوصيات بتعديلات دستورية تقوي موقع رئيس الجمهورية، كما لفت إعلانه إلى توقيع مرسوم دعوة مجلس النواب لفتح عقد استثنائي. وشدد سليمان، في الحفل الذي لم يحضره رئيس البرلمان نبيه بري ووزراء ونواب «حزب الله» ورئيس تكتل «التغيير والاصلاح» ميشال عون، على أن «الوحدة الدينية والوطنية تفرض علينا عدم التدخل في شؤون دول الجوار»، داعياً الى «حوار مستدام يكون كفيلاً بحل المعضلات لأن ما يجمعنا اكثر مما يفرقنا»، وقال: «خلال فترة ولايتي، مضت 6 سنوات خلت من أي احتلال إسرائيلي أو وجود سوري أو حرب داخلية».

استراتيجية دفاعية

وأكد أنه «حان الوقت لبناء استراتيجية دفاعية كمدخل لبناء الدولة فالتحرير يبقى منقوصاً إذا لم يؤد الى سيادة الدولة»، مشيراً إلى أن «التوافق على استراتيجية دفاعية للدفاع حصراً عن لبنان يجب ان يبقى في صلب هيئة الحوار»، داعياً «هيئة الحوار والدولة إلى تعزيز نهج الحوار وتوفير الظروف لتنفيذ مقررات الحوار التي تطرقت الى مشكلات لبنان». وأضاف رئيس الجمهورية: «تمكنا من القيام بعلاقات دبلوماسية مع سورية، وهذه الخطوة هي الترجمة السياسية المنصوص عليها في الوثيقة الوطنية، لذلك علينا تعزيز العلاقات على قاعدة المصالح المشتركة، وهذا يتطلب منا مراجعة الاتفاقات المعقودة بين البلدين الشقيقين لتحديد المسؤوليات في شكل واضح تمتينا للعلاقات الاخوية، مع الامل في ان يتم التوصل الى حل سياسي سريع للازمة السورية وان تستعيد سورية وحدتها».

هيئة الحوار

ومضى سليمان بقوله: «اقترحت على هيئة الحوار الوطني مبادئ يتعذر رفضها او دحضها في وجه اي منطق او حجة، هذه المبادئ توافقت عليها هيئة الحوار الوطني وعرفت في اعلان بعبدا ولاقت ترحيباً ودعماً من قبل المجتمع الدولي وهي تبقى السبيل الوحيد لتحييد لبنان عن الصراعات الخارجية».

وعشية 25 ايار، قال الرئيس سليمان: «بمناسبة هذه الذكرى التي نفتخر بها اقول بكل محبة وحرص انه حان الوقت لبناء استراتيجية دفاعية كمدخل طبيعي لبناء الدولة وتطوير النظام الديمقراطي والتوافق على استراتيجية للدفاع حصرا عن لبنان».

شغور مقصود

وناشد الرئيس سليمان المجلس النيابي «إتمام الاستحقاق لأن خلو الرئاسة يهدد الدور الضامن لانتظام الحياة السياسية خصوصاً ان كان الشغور مقصوداً»، مضيفاً: «رسالتي التي وجهتها الى المجلس النيابي رسالة تتكلم بلسان حال المواطنين رسالة نأمل ان يلتزم بها النواب ونأمل اقرار قانون انتخاب عصري».

واشار إلى أنه «تم وضع مقترحات لتعديل الدستور ستسلم الى الرئيس الجديد لاعادة حق حل مجلس النواب عند الضرورة لمرة واحدة الى السلطة التنفيذية».

ودعا سليمان «إلى إجراء حوار اقتصادي واجتماعي شامل وجريء يتطلب تفعيل المجلس الاقتصادي الاجتماعي وتعزيز اشراك الفاعليات الاقتصادية فيه، ووضع مشاريع القوانين المعجلة والمعادة الى المجلس النيابي على جدول اعمال اول جلسة بعد ورودها اليه، ولإعطاء مهلة دستورية محددة لرئيس الوزراء والوزراء في امضاء المراسيم اسوة برئيس الجمهورية، ولإعادة النظر بالأكثرية في مجلس الوزراء بالمواضيع التي يعيد رئيس الجمهورية طرحها واعتماد اكثرية الثلثين، واعطاء رئيس الجمهورية حق دعوة مجلس الوزراء إلى الانعقاد عند وجود الظروف الاستثنائية التي تدعو لذلك»، كما دعا الشبان والشابات إلى «انشاء تجمعات عابرة للطوائف والانخراط في الدولة المدنية».

وأعلنت رئاسة الجمهورية، التي تأكد عدم توجيهها الدعوة إلى رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية لحضور حفل الوداع، أن سليمان «سيوقع اليوم مرسوما يدعو مجلس النواب إلى عقد جلسة استثنائية لوضع قانون انتخابي جديد».

الحريري

إلى ذلك، رأى رئيس الحكومة السابق سعد الحريري أمس أن «اليوم الأخير من ولاية الرئيس ميشال سليمان مناسبة لإعلان حقيقتين». وقال: «الحقيقة الاولى ان أكثرية اللبنانيين يسجلون في هذا اليوم للرئيس سليمان سياسته الحكيمة في إدارة البلاد، وإصراره على اعتماد الحوار الوطني سبيلا لا غنى عنه في معالجة وجوه الاحتقان السياسي والطائفي، وقاعدة لتغليب منطق الدولة وسلطتها ومصالحها على أي اعتبارات فئوية او خارجية».

وتابع: «أما الحقيقة الثانية فهي دعوة صادقة الى وجوب التعامل مع شغور موقع رئاسة الجمهورية، وللمرة الثانية بعد انتهاء ولايتين متعاقبتين، باعتباره خطرا جديا يهدد سلامة النظام الديمقراطي ويجعل من الرئاسة الاولى هدفا للابتزاز الدائم».