كويت الماضي وقد تربعت في أحضان البحر بسكيكها الضيقة وبيوتها الطينية التي كانت ممالك لساكنيها مع علمهم أنها تشكل خطراً دائما لهم، وخاصة عند هطول الأمطار بشكل حبات صغيرة "نميلي" تؤدي إلى انهيار بعضها لتتحول تلك الأحداث إلى علامات فارقة في حياة أهل الكويت مثل سنوات الهدامة، في تلك الليالي المظلمة وهدير الرعد يصم الآذان، والبرق يخطف الأبصار ترى الجميع وقد لبس الخيش على رأسه وبدأ بالتحرك، وكأنهم في خلية نحل في فزعة وتعاون قل نظيره يحرك الجميع إيمان بالله وحب الوطن وأهله لا مصالح أو بيانات ورفع شعارات لا تسمن ولا تغني من جوع.

Ad

الكويت التي في خاطري كويت الماضي، فرغم قلة الإمكانات المادية والمواد الغذائية ولكن إذا ما جاءت أيام الخميس في شهر رمضان المبارك رأيت "النوافل" تنتقل بين تلك البيوت الصغيرة المتواضعة بسيمفونية تعبر بصورة واضحة عن التكافل، كويت الماضي وقد شمر كل أهل الكويت عن سواعدهم لبناء سور لحماية الديرة من عاديات الزمن وغدر الأعداء، وأنجزوا ذاك العمل بوقت قياسي في ظل ظروف غاية في القسوة وفي شهر رمضان المبارك، أما البحر الذي كان مصدر رزق وحياة ونافذة اتصال وتواصل مع العالم من حولهم فجابت سفنهم عباب أمواجه بكل اقتدار وشجاعة، واستخرجوا من قاعه درره ومرجانه، ولكن بقدر ما كان مصدر حياة فقد كان غولا فاغراً فاه ابتلع العديد من رجال أعزاء من أبناء هذا الوطن الغالي.

الكويت التي في خاطري كويت الحاضر وقد بدأت مكسورة الخاطر، مهيضة الجناح، تتألم من كثر الجراح، فقد استل بعض أبنائها خناجرهم لغرسها في ظهرها، وشهر البعض سيوفهم ضد بعض ليس دفاعا عن الوطن وأهله بل من أجل مصالح آنية طائفية كانت أو قبلية، فئوية كانت أو حزبية، وأخذ الكل يأكل لحم أخيه ميتاً، وتفشت ظاهرة الفتن والشتم والحديث في أعراض الناس وذممهم، وانتشر الفساد والتدمير لكل ما هو جميل في هذا البلد، يحدث هذا التشتت والفرقة بين أبناء الوطن في ظل أخطار تحيط بنا، في وضع إقليمي ودولي لا يعلم إلا الله إلى أين يسير.

الكويت التي في خاطري كويت المستقبل، وقد نهض الوطن من كبوته وهيأ له الله من أبنائه من يحبه ويخلص في خدمته، فنفض عنه غبار الزمن ومسح دمعة حزن تحدرت من عينيه، لكم هو رائع منظر مدينة الكويت ونحن نسير على ذلك الجسر المعلق الذي يربط رأس الأرض في منطقة السالمية مع منطقة الأبراج وعلى جانبي الجسر أقيمت المقاهي والمطاعم، وعند الأبراج ينعطف يمينا إلى جزيرة فيلكا التي أضحت تضاهي أروع جزر العالم.

وعلى الساحل تبدو من بعيد أحدث مدينة طبية في المنطقة وتم إلغاء نظام العلاج في الخارج، كويت المستقبل وقد تم افتتاح مدينة الشدادية الجامعية إضافة إلى مدينة الأحمدي الجامعية ومدينة الجهراء الجامعية، كما أعلنت الهيئة العامة للإسكان انتهاء جميع طلبات السكن بعد افتتاح عدد من المدن الإسكانية في المناطق المختلفة.

الكويت التي في خاطري كويت المستقبل، وقد غدت ترتبط بشبكة طرق وجسور متعددة الأدوار وأنفاق رائعة وشوارع نظيفة، فأصبح من الصعب أن تجد حفراً أو بقايا سيارات مهشمة، ولعله من الروعة أن ترى هذا الكم الهائل من الأخلاق العالية التي يتميز بها سائقو السيارات ومستخدمو الطريق، وانتهت مقولة "لي متى زحمة"، أما النظافة فحدث ولا حرج فغدت مناطقنا مرابع خضراء كما عبرت عن ذلك ألوان علمنا.

كويت المستقبل وقد تحولت جلسات مجلس الأمة إلى ملتقى ثقافي سياسي اجتماعي واقتصادي بحوار غاية في الرقي، ومعالجة قضايا الوطن بكل صدق وإخلاص، فقد ازدانت الكراسي الخضراء بنواب لا يسكن وجدانهم إلا حب الكويت وأهلها، واختفت تلك المصطلحات المتدنية مثل "اكلي تبن، وانثبر، وعميل..." وغيرها، الكويت التي في خاطري أحلام رائعة قابلة للتحقيق، ونقول "يا كويت لج من يحبج".

ودعاؤنا لله عز وجل أن يحفظ الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.