طبقاً للإعلان الرسمي الذي شهدته بغداد أمس، حافظ رئيس الحكومة نوري المالكي، كما كان متوقعاً، على تقدمه على كل منافسيه حين حصل على 92 مقعداً، تاركاً للأحزاب الشيعية الأخرى نحو 70 مقعداً، بنسبة مقاربة لنتائج انتخابات 2010، ونجح حسب النتائج، في التغلب على صورته كحاكم لم يحفظ الاستقرار الأمني، وظلت وزارته غارقة في فشل خدمي وإداري هائلين. ويقول خصومه إنه أتقن استثمار النفوذ الحكومي وبذل العطايا، ووزع نحو ربع مليون قطعة أرض سكنية خلال الشهر الذي سبق الاقتراع التشريعي، كما قام بتصعيد غير مسبوق للشحن الطائفي مع السُّنة والأكراد، معوضاً بذلك سائر إخفاقاته.

Ad

وإذ يصر خصوم المالكي على أن 92 مقعداً لا تعني حصوله بسهولة على رئاسة الحكومة المقبلة، مبشرين بتحالف معارض له مدعوم من نحو 190 مقعداً، من أصل 328 هي مجموع مقاعد البرلمان، فإنهم يعترفون أن "ضريبة الاعتدال" كانت باهظة بالنسبة إلى منافسي المالكي الشيعة، فتيار مقتدى الصدر فقد نحو 6 مقاعد، ويقول البعض إنه خسر "الجزء الأشد طائفية" من جمهوره، لمساندة الصدريين احتجاجات المدن السنية ومعارضته شن الحرب عليها.

في المقابل، نجح حزب عمار الحكيم في تحسين فرصته، فقد حصل في الاقتراع الماضي على 18 مقعداً، ثم عاقبته إيران بسبب معارضته لولاية المالكي الثانية فانشقت عنه منظمة بدر وتركته بثمانية مقاعد فقط، لكنه قام بتعويض ذلك ورفع حصته هذه المرة إلى نحو 30 مقعداً، ما يعني نجاحه في اجتذاب ناخبين شيعة يبحثون عن الاعتدال، ويشعرون باليأس من إمكانية نجاح الفريق الحكومي لنوري المالكي في تحسين الأحوال العامة.

وحسب النتائج أيضاً كان هناك صعود غير متوقع لإياد علاوي، الذي اعتبره كثيرون قد غادر الحلبة إلى غير رجعة، بسبب تفكك قائمته "العراقية"، إلا أنه نجح في إقناع جمهور سني في بغداد بشكل خاص، بأنه الحزب الأكثر ثباتاً في مواقفه السياسية، ما يفسر خسارة كتلة "متحدون" بزعامة أسامة النجيفي لجزء من جمهورها، لمصلحة علاوي الذي غنم نحو 25 مقعداً، وقد تحولت "متحدون" إلى قائمة موصلية، إذ حصلت على ثلثي مقاعدها من محافظة نينوى، حيث النفوذ الاجتماعي والسياسي لأسرة النجيفي.

ويقول خبراء في الشأن السُّني إن الأنبار وبغداد شهدتا مقاطعة كبيرة من الناخبين السُّنة اليائسين، استفاد منها المالكي في النهاية. وعدا هذا فإن أكثر من طرف تحدث عن إمكان حصول طعن كبير في النتائج. فقد عرض التيار الصدري قبل يوم واحد من إعلان النتائج وثائق عن حصول تلاعب مضحك. ففي ضاحية أبوغريب غرب بغداد، المعروفة بمعارضتها الشديدة للمالكي، حصل حزب الحكومة على 80 في المئة من الأصوات، كما عرض هؤلاء عمليات تلاعب في جمع الأصوات ضاعفت حصة المالكي 10 مرات في بعض المحطات الانتخابية.

ومن المعقول أن نشهد طعوناً واسعة، فحسم النتائج تأخر شهراً في 2010، حين أصر المالكي على إعادة الفرز يدوياً عندما تفوق عليه علاوي بمقعدين، والأمر مرشح للتكرار الآن. وكتب عادل

عبدالمهدي نائب رئيس الجمهورية السابق صباح أمس: "هناك شكوك جادة بالتلاعب... ففي بغداد (خُمس المقاعد)، أرسل مراقبو الكيانات لبيوتهم، وفرض منع التجول، وبقيت الصناديق يوماً كاملاً بعيداً عن مراقبي الكيانات".

وعلى أية حال، فإنه من المستبعد أن تحدث الطعون تغييراً جوهرياً، وسيذهب المالكي إلى اعتبار نفسه الفائز الشرعي والمخول بتشكيل الحكومة، بينما يرد عليه معظم نواب السّنة والأكراد ونحو نصف الشيعة بأن الأرقام لا تعني الكثير في بناء الائتلافات الحكومية، وتكافح لبناء توافق صعب يضمن تغييراً في نهج الحكم الذي وضع العراق على صفيح ساخن طوال 8 أعوام.