كل عمل إبداعي شعراً أو رواية يعتبر عملاً قاصراً دون قراءة نقدية إبداعية تفتح مغاليقه وتفك رموزه على ضوء نظرية استنبطت أصلاً من أعمال مماثلة. تلك القراءات النقدية إضافات مهمة للكاتب والقارئ إذا تم الإخلاص لها والعمل عليها بناء على مدارس نقدية وقرائية كان لها الدور الأكبر في ملء المساحات النقدية الخالية. وهذه القراءات هي عمل إبداعي مواز يتعرض أيضا للنقد سلبا أو إيجابا. في عملها الأخير تتعرض الباحثة مي السادة لاقتحام عالم صعب وجديد على النقد العربي وإن لم يكن جديدا على النقد الغربي.

Ad

الأكثر أهمية في طرح الباحثة مي السادة هو التفاتتها للرواية الخليجية واختيارها لنصوص حديثة لروايات من الخليج، في محاولة لتطبيق مفهوم الأدب العجائبي أو The Fantastic، وهو مصطلح يرجعه النقد الغربي الى تزفيتان تودوروف بناء على قراءة مجموعة من النصوص. وفي محاولة من الباحثة السادة لتطبيق هذا المفهوم الشائك أجنبيا والمختلط عربيا بين الغريب والعجيب، قدمت أغلب مراجعها لتكون مراجع عربية تقريبا أو مترجمة لم يكن منها أكثر التصاقا بالموضوع سوى كتاب تودوروف نفسه "مدخل الى العجائبي".

ذلك جعل الباحثة تقرأ الأعمال الأدبية التي تناولتها قراءة نصية لا نقدية فأعادت الأحداث التي تناولتها النصوص بعيدا عن تطبيق حقيقي للمجهود النظري الذي عملت الباحثة على رصده في مقدمة العمل. ولأن الكتاب النقدي هو رسالة ماجستير ما يعني أنه تم تحت إشراف أستاذ في النقد. ودراسة الأدب العجائبي لا يمكن أن تكتمل دون النظر إلى الجهد الغربي في صياغة المصطلح والعمل عليه.

قدمت الباحثة جهدا جميلا وبحثا مضنيا في تقديم مفهوم العجائبي ومحاولة قراءة البحوث العربية التي قدمت دراسات مشابهة عن المصطلح، وكان بالإمكان الاستفادة من التطبيق عبر قراءات مهمة يعرفها دارسو الطرح العجائبي، أهمها قراءات فرويد لعمل هوفمان Hoffmann رجل الرمال في الدراسة الشهيرة التي حملت عنوان الخارق Uncanny، وتناول فيها فرويد قراءة نص هوفمان، خصوصا أن الباحثة ذكرت هوفمان بإيجاز شديد في رسالتها، وكذلك قراءة الباحثة هيلين سيسو لنص الخارق لفرويد. وهي تحاول تقديم التحليل النفسي للأدب من خلال قراءة عالم نفس بحجم فرويد.

لا أحاول هنا التقليل من جهد عظيم وجبار في تقديم الرواية الخليجية العجائبية بل على العكس تماما أنظر بإكبار للباحثة البحرينية وهي تجتهد في قراءة نصوص ربما لن يهتم بها النقد العربي المنكفئ على إقليميته. ولكنني أطمح كثيرا بأن تبدأ الباحثة في تطوير الأدوات النقدية التطبيقية مقارنة بالأدوات النقدية النظرية. وتعتبر الباحثة إضافة مهمة للانتعاش النقدي الخليجي الذي بدأ ينتعش بمجموعة من المهتمين برزت منهم أسماء مهمة في المؤتمر الأخير بالكويت، والذي قدم أسماء مهمة من عمان والبحرين والكويت، إضافة للجهد السعودي المعروف في الحركة النقدية.

السرد العجائبي في الرواية الخليجية محاولة لتقديم رؤى نقدية غربية ودراستها من واقع نصوص روائية، وبالإمكان معالجة قصور التطبيق في دراسات قادمة.