سيبلغ برج {المملكة} السعودي ضعف ارتفاع برج {خليفة} الإماراتي، وخمسة أضعاف أعلى مبنى في بريطانيا {ذا شارد}، ويستغرق صعوده بالمصعد نحو 12 دقيقة كاملة، كأن من يسكنه يحتاج إلى {تاكسي} فضائية للصعود إليه. والسؤال: هل يكون البرج الجديد مقدمة لنهضة عمرانية ورواج ثقافة الأبراج بقوة في المدن السعودية؟
النافل أن في الرياض وجدة أبراجاً أو ناطحات سحاب، قد تحولت منذ الأيام الأولى لتدشينها إلى أبرز المعالم العمرانية في السعودية، وأقوى نقاط الاستقطاب للمقيمين فيها. وعلى الصعيد العربي، ورغم انتشار ناطحات السحاب في معظم المدن والعواصم (الدوحة، جدة، أبو ظبي، بيروت، الكويت...) تبقى صورة إمارة دبي الأكثر التصاقاً بصور ناطحات السحاب، فهي ممكلة عمودية صعدت في الصحراء وأصبحت تنافس المدن العالمية.لا شك في أن الأبراج لها أبعادها: الميتولوجي والأسطوري والثقافي والحضاري والإمبراطوري، فالحضارات القديمة كافة سعت إلى نطح السحاب. وتراوحت دوافعها بين تمجيد السلطة (أهرام مصر الفرعونية) وبين إضفاء أبهة شكلية على المدينة ككل من خلال بناء يستمد قيمته من شموخه، مثل برج {بيزا} في إيطاليا أو برج {إيفل} في باريس. إلا أن التحولات التي طرأت على أوجه العمران كافة، بدءاً من أواخر القرن التاسع عشر، سمحت بظهور ناطحات السحاب الحديثة التي أعادت رسم المدن المهمة في العالم وباتت سمتها المعاصرة بلا منازع وعلامة الكبرياء والتفوق والحداثة والرأسمالية المنتصرة، إلى درجة أن الكاتب والمحلل الأميركي فريد زكريا قال إن الولايات المتحدة الأميركية لم تعد دولة متفوقة في العمران من ناحية المباني الشاهقة، حيث يرتفع أعلى مبنى في العالم اليوم في دبي. وسبق زكريا المهندس كلود براجدون بالقول: {ناطحات السحاب ليست فقط رمزاً لروح أميركا، ولكنها الشيء الوحيد الذي نستطيع (كأميركيين) أن ندَّعي أنه بلا جدال ابتكار أميركي في عالم الهندسة}. وفي ما يخص السعودية، وبغض النظر عن الصراع الرمزي على ناطحات السحاب، كان السؤال الأول الذي راود ذهن البعض منذ البداية، كيف سيكون وقع أعلى برج في العالم في بلد ما زال يمنع الاختلاط بين النساء والرجال؟! فالنافل أن ناطحات السحاب تستوعب عدداً هائلاً من السكان، وهذا الأمر برأي أحد الكتاب السعوديين، يتطلب توجها إسلامياً معاصراً نحو إعادة تعريف معنى الاختلاط بين الرجل والمرأة خلال خطة الإخلاء من المبنى، في حال حدوث حريق... وعلى هذا، هل يمكن للأبراج أن تعيد رسم المدن السعودية والعربية؟ ربما، لكن لا نعرف ما تحمله الأيام في طياتها...{سما بيروت}ثمة وعي يمكن وصفه بالصنمي في الصراع على الأبراج في العالم، سواء في الماضي أو في الحاضر، ويختلط فيها الشخصي بالهوياتي، أو هي في جانب منها نوع من الترف الحضاري والإمبراطوري والمالي. لنتذكر أنه في بداية الحرب اللبنانية حصل ما يشبه المنافسة بين برجي {رزق} في الأشرفية و{المر} في القنطاري لناحية الارتفاع، كان السباق بين أصحاب رؤوس الأموال يدور حول من يملك المبنى الأعلى أو الأكثر ارتفاعاً. بات برج المر من خردة الماضي، واليوم يتم تشييد برج شاهق اسمه {سما بيروت} سيكون الأعلى في العاصمة اللبنانية، مقترباً من الـ 200 متر ومتضمناً أكثر من 50 طبقة. الاعتراض على ناطحات السحب والمدن العمودية والمتمعدنة والزجاجية، في جانب منه بيئي يتعلق باستهلاك الطاقات الضخمة في البناء، وفي جانب منه ثقافي إذ باتت الأبراج تختصر المدن وتلغي تنوعها وتغرقها في النمطية والقولبة، بل بسبب الأبراج راحت المدن تتشابه، وألغت الساحة والحارة لمصلحة المركز التجاري. ثمة أحداث تنتجها الأبراج في محيطها أو هي تفرض حضورها بسبب علوها، برج المر في بيروت مصمم ليمثل مركز الفن التجاري، ولكن قدر له أن يشكل معقلا للقناصة والميليشيات خلال الحروب الأهلية اللبنانية، وباتت رمزيته السوداء حاضرة في كثير من الأعمال التشكيلية والسينمائية والفنية... كذلك حين أراد تنظيم {القاعدة} الانتقام من الولايات المتحدة الأميركية، اختار تفجير برجي مركز التجاري العالمي في نيويورك في 11 سبتمبر 2001 من خلال مجموعة انتحارية، وتحول سقوط البرجين حدثاً مفصلياً في التاريخ الحديث. برج {خليفة} عدا عن أنه تحول علامة من علامات التمايز لمدينة دبي، بات موئلا للسياحة سواء لهواة التسلق و{السبيدرمانية} أو لهواة القفز الاستعراضي بالمظلات.وبرزت في التاريخ دائماً مفارقات غريبة تتعلق بطموح البشر وترافقه مع أحداث مؤسفة، وهو أمر يصفه الناس بـ{سخرية الأقدار}. وتكمن السخرية، كما يشير البعض، إلى أن تزامن افتتاح الأبراج مع الأزمات المالية كما حصل في دبي قبل سنوات قليلة وكما حصل في نيويورك في بداية القرن الماضي وفي ماليزيا عام 1998. حتى في لبنان عندما شيّد برج {المر} كانت الحرب الأهلية على الأبواب عام 1975.
توابل
الصراع على الأبراج
23-05-2014