من المفترض ألا تتدخل الحكومة في قرارات مجالس إدارات المؤسسات العامة المملوكة للدولة إلا إذا خالفت هذه القرارات الفنية السياسة العامة للدولة، وعندئذ لا يفترض وقف القرار فحسب بل محاسبة مجلس الإدارة أيضا. لقد سبق أن تدخلت الحكومة سياسياً بالقرار الفني لمؤسسة البترول فأوقفت صفقة "كي داو" الضخمة التي أثارت آنذاك جدلا سياسيا واسعا وهي وحدها، أي الحكومة، من يتحمل مسؤولية إلغاء الصفقة وما ترتب على ذلك من غرامة مالية مبالغ فيها (2.16 مليار دولار) شُكلت على إثرها لجنة تحقيق حكومية قيل إن هدفها معرفة كل ما يتعلق بالصفقة وتحديد المسؤول عن توقيع العقد بالغرامة المالية قبل استكمال الموافقة النهائية.

Ad

 وبالرغم من أن تشكيل لجنة التحقيق كان في شهر مايو 2012 فإن نتائجها لم تعلن حتى الآن، ولهذا فلا يمكن معرفة من المتسبب في تحميل الميزانية العامة للدولة مليارات الدولارات ناهيكم عن محاسبته!

الأسبوع الماضي ألغت الحكومة صفقة شراء مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية طائرات هندية مستعملة، حيث قرر وزير المواصلات إيقاف رئيس مجلس إدارة "الكويتية" عن العمل كي لا يتمكن من إتمام الصفقة التي يقول إنها صفقة مربحة "ستوفر على المال العام 60 مليون دينار"، بينما قال الوزير إن" قرار إيقاف سامي النصف استند للمصلحة العامة حتى لا يمرر صفقة طائرات مستعملة لم تكتمل أركانها القانونية ولا جدواها الاقتصادية، ولم تمر على الأجهزة الرقابية ولم تفحص بشكل مطمئن، وما يدليه من تصريحات مغلوطة لا تخدمه بل ربما تعود بالضرر على سمعة مؤسستنا الوطنية" (كونا).

فما مبررات تدخل الحكومة لإلغاء صفقة "الكويتية"؟ هناك احتمالان: إما أن رئيس مجلس الإدارة قد خالف السياسة العامة للدولة وارتكب خطأ جسيما يثير الشكوك والشبهات، وهو ما يجب محاسبته عليه ثم مساءلة مجلس الإدارة أيضا، أو أن قراره كان سليما لكن الحكومة تدخلت سياسيا لوقفه وهو ما قد يفسر أنه كان لمصلحة أطراف تجارية معينة لها مصلحة مباشرة في مشروع خصخصة "الكويتية"، وهذا لا يجوز دستورياً. فأي الاحتمالين صحيح؟ وهل سيحاسب أحد؟ أم سيتكرر ما حصل في قضية "الداو" وغيرها من القضايا التي ترتب عليها خسائر فادحة للمال العام؟

وحيث إن الشيء بالشيء يذكر فإن مشكلة "الكويتية"، كما ذكرنا سابقاً، سببها سوء الإدارة وليس ملكيتها العامة، فطيران الإمارات والاتحاد الظبيانية والقطرية والسنغافورية جميعها ملكيتها عامة وخدماتها مميزة، وتحقق أرباحا سنوية؛ لذلك من المفروض أن تبقى "الكويتية" مملوكة للدولة. أما الصراع الحالي حول خصخصتها فإنه مؤشر قوي على طبيعة "المعارك" القادمة في ما لو صممت الحكومة على المضي قدما في سياسة الخصخصة الشاملة، أي تصفية المؤسسات العامة المملوكة للدولة رغم أن تجارب عالمية، لا سيما في دول العالم الثالث قد بينت الكثير من أوجه الفساد التي تترافق عادة مع الخصخصة مثل العمولات وتضارب المصالح والكسب غير المشروع واستغلال السلطة العامة واحتكار القلة للثروة والبطالة.