الذين عاشوا تجربة الكتابة والقراءة والنشر قبل ثورة التكنولوجيا يعرفون مدى العناء الذي يصيب الكاتب المبدع حين يجتهد سنوات في كتابة عمل ثم لا يجد من ينشر له هذا العمل، وإذا أفلح في ذلك مستعيناً بماله الخاص أو بإيمان احدى دور النشر بموهبته – ويحدث ذلك نادرا – لم يجد من يهتم بنشر الكتاب أو الاهتمام به اعلاميا. لم تكن يومها من وسيلة لانتشار الكتاب سوى أن يقدم له أحد الكتاب الكبار وتهتم به الصفحات الثقافية للكتابة عنه. ولم يكن كتابنا الكبار يستحقون تلك الثقة التى أوليناهم فيتبنون كاتبا لا قيمة له أدبيا لاعتبارات لا علاقة لها بالكتابة والابداع. وحين طلب منى بعض الإخوة أن يقدم لروايتي "سماء مقلوبة" كاتب كبير رفضت وآثرت أن تكتب المقدمة كاتبة من جيلي هي الأقدر على فهم صوتي. وكتبت زميلتي الشاعرة سعدية مفرح مقدمة الرواية.

Ad

ضاعت أسماء أدبية كثيرة في صراع ما يسمى المدن الكبرى والأقاليم وتاهت وجوه أدبية لا حصر لها بين بدعة المركز والهامش ويئست أصوات مبشرة مبكرا فتوارت لعدم قدرتها على خرق الحائط الوهمي الذي استولت عليه الشللية والمحاباة. أسماء دون سواها تتكرر في كل ندوة أو مشهد أدبي، حتى أصبحنا نعرف مسبقا من سيمثل البلد الفلاني في مهرجان الشعر ومن سيكون ضيف ندوة الرواية أو النقد. وكان العذر الأزلي أنه لا توجد أسماء ودماء شابة جديدة وليس الواقع الذي يقمع هذه الأسماء ويمنع ظهورها.

تغير هذا الواقع سريعا ولم تعد مهمة نشر الكتاب وانتشاره موكلة لكاتب كبير أو صفحة ثقافية. انتشار الكتاب اليوم يعمل عليه القارئ ويساهم بجدية في تقديمه عبر أسطر قليلة تصل الى قارئ آخر في نهاية الكرة الأرضية، وهو ما لم تكن تحققه الصفحة الثقافية سابقا.

ويستطيع الكاتب أن يرى ردود فعل قراء كتابه مباشرة دون محاباة أو تعصب لعدم ارتباطهم الشخصي بالكاتب. ساهم ذلك كثيرا في انتشار الكتاب ومنح الفرصة للشباب وبرزت أسماء كثيرة من حولنا نتابع أعمالها ونتاجها عبر هذا الفضاء الذي لا يتحكم فيه أحد.

في الكويت لدينا مجموعة كبيرة من الأدباء الجميلين لا يتوسلون المؤسسة الرسمية في أن يكونوا جزءا من وفودها وربما لا تقدم لهم هذه المؤسسة ما يقدمه لهم قارئهم من تواصل وانتشار، ولكن ذلك لا يعني أن نتجاهلهم لمجرد أن الوفد الثقافي هو وفد رسمي. أستغرب مثلا غياب سعود السنعوسي بعد كل الانتشار الذي حققه عمله عربيا ألا يكون من ضمن هذا الوفد، أستغرب غياب باسمة العنزي ومنى الشمري وخالد النصر الله وعبدالوهاب الحمادي وعلى الفيلكاوي وبثينة العيسى وغيرهم من لائحة طويلة وجميلة يعرفها القارئ العربي جيدا عبر شبكات التواصل الاجتماعي ولا تمثل بلدها.

هؤلاء الشباب هم ذخيرتنا الثقافية الحية والفاعلة وهم خير من يمثل الوجه الثقافي للكويت فامنحوهم فرصهم، مع ثقتي بأن عالم اليوم ليس عالم الأمس ولكن يبدو أن المؤسسة الثقافية تفكر بما قبل ثورة المعلومات وتعيش عصرنا القديم الذي ذكرته في المقدمة.