منذ الآن بالإمكان المراهنة على أن قمة الكويت العربية التي ستنعقد قريباً ستكون ناجحة بكل تأكيد، والدليل هو أنَّ كل اللقاءات التي استضافها هذا البلد الصغير بحجمه الكبير بطموحاته وعطاءاته وبتطلعات شعبه "الذي لا يعجبه العجب ولا صيام رجب" وبحكمة وحنكة قيادته ومرونتها النادرة، كانت لقاءات ناجحة بكل المقاييس ومن بينها القمة الاقتصادية الشهيرة التي تمكنت من تجنب انفجارٍ هائلٍ، والتي لاتزال تعتبر أنموذجاً لتحويل التناقضات إلى تعارضات، وتحويل التعارضات إلى مجرد اختلافات بين الإخوة والأشقاء وأبناء العمومة.

Ad

لا شك في أن بانتظار هذه القمة، التي ستنعقد في الخامس والعشرين من مارس المقبل، جدول أعمال مزدحماً ومتعباً وموجعاً للقلب والرأس، فهناك الأزمة السورية الطاحنة فعلاً التي حولتها "رعونة" هذا النظام الذي ابتُليت به واحدة من أهم الدول العربية إلى مواجهة إقليمية ودولية مدمرة أُزهقت فيها أرواح مئات الألوف من السوريين، الذين دُمرت مدنهم وجرى تشتيت الملايين منهم في أربع رياح الأرض. وهناك التذابح الطائفي المعيب في العراق الذي بات يهدد وحدة بلاد الرافدين التي غدت دولة فاشلة محتلة من قبل "باسيج" حراس الثورة الإيرانية، ومن قبل فيلق القدس الذي أصبح جنراله قاسم سليماني الحاكم الفعلي في بغداد والقادر على كل شيء.

وأيضاً فإنَّ هناك المأزق اليمني الذي يتفاقم يوماً بعد يوم والذي إن بقيت الأمور تسير في هذا الاتجاه المرعب والمكلف، فإنَّ بلاد "الحكمة" العظيمة ستتعرض لكارثة مأرب جديدة فعلية وحقيقية إن لم تتغلب هذه الحكمة التاريخية على الرعونة و"الأجندات" الخارجية وعلى الدوافع الشخصية والنزعات البدائية.

ثم إنَّ هناك مشكلة ليبيا التي ما إن خرجت من نفق جماهيرية القذافي المعيبة حتى دخلت في هذا الصراع الذي لو أنَّ أطرافه دققوا في الأمور جيداً لوجدوا أن وراء كل هذه الفوضى غير الخلاقة التي تجتاح البلاد ووراء كل هذا الاقتتال العدمي جهات دولية تتصارع على نفط هذا البلد، وعلى أسواقه، وعلى شواطئه الجميلة، وعلى غابات زيتونه، التي أهملها "الأخ قائد الثورة"، وتركزت عنايته على "الكتاب الأخضر" الذي استنزف من أجله أموالاً طائلة بينما هو لا يصلح إلا لمجموعة من المجانين.

إنَّ المنتظر أن تقف هذه القمة الواعدة وقفة الأخ إلى جانب أخيه بالنسبة لمصر التي خرجت بوطنية شعبها وبشجاعة جيشها من جوف غول تاريخي كان من الممكن أن يأخذها إلى أخطر عثرات وكبوات التاريخ لو أن "الإخوان المسلمين" لم ينهاروا في اللحظة الحاسمة. إن من حق هذا البلد على إخوانه أن يقفوا معه في هذه الفترة الحاسمة لأنه يخوض حرباً مكلفة مع إرهاب الإسلام السياسي ولأنه لم يتعافَ بعد من الأزمة الاقتصادية التي واجهها في السنوات الأخيرة.

ثم ماذا نقول أيضاً. هل نقول إن الفلسطينيين بأشد الحاجة إلى إخوانهم العرب الذين يجتمعون في الكويت على بعد مئات الأمتار من شاطئ "الصليبيخات" حيث اتخذ قادة "فتح" الطلائعيون قرار إطلاق الرصاصة الأولى التي كان إطلاقها بداية ثورة الشعب الفلسطيني المعاصرة؟، ثم ماذا نقول عن لبنان وعن الأردن الذي جعله قدره أن يكون دائماً وأبداً كمن يعيش بين فوهات براكين متفجرة، والذي ما إن تستقر فوق أرضه موجة هجرة عارمة حتى يُفاجأ بموجة هجرة جديدة وبمئات الألوف من الإخوة الذين يحتاجون إلى كل شيء من شهقة الهواء حتى حبة الدواء.