الانقسام الاجتماعي العمودي مؤشر للدولة الفاشلة

نشر في 23-10-2013
آخر تحديث 23-10-2013 | 00:01
من الخطأ النظر إلى الانتخابات الفرعية القبلية والطائفية والفئوية، المرفوضة والمجَرَّمة قانوناً، على أساس أنها تصرفات فردية معزولة لأنها أصبحت ظاهرة عامة تدل على فشل الدولة، أي عدم قدرتها على القيام بوظائفها الاجتماعية التي لا يمكن لأحد غيرها أن يقوم بها.
 د. بدر الديحاني كلما زادت حدة الانقسامات الاجتماعية العمودية (على أساس الهويات الصغرى مثل الطائفة والعرق والدين) كان ذلك مدعاة للقلق على مستقبل الوطن لأنها تعتبر أحد مؤشرات الدولة الفاشلة، أي الدولة المفككة التي لا تستطيع القيام بوظائفها الاجتماعية والسياسية التي تحقق الاندماج الاجتماعي وانصهار الهويات الفرعية كافة في هوية وطنية جامعة.

الانقسامات الاجتماعية العمودية لا تحدث من تلقاء نفسها بل تكون نتيجة من نتائج فشل مؤسسات الدولة، حيث لا يلجأ الإنسان في الدولة الحديثة إلى القبيلة والطائفة أو أي هوية ثانوية أخرى طلباً للحماية والانتماء وحفظاً للحقوق؛ لأن مؤسسات الدولة وأجهزتها توفرها له.

لهذا نلاحظ في الدول المتطورة، على سبيل المثال، حيث المواطنة الدستورية المتساوية في الحقوق والواجبات وسيادة القانون والعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، فإن المجتمع ينقسم أو يتكتل أفقياً أي بحسب الأفكار والمصالح المشتركة وليس بحسب الهويات الصغرى أو الثانوية السابقة لنشوء الدولة الحديثة.

على هذا الأساس فإنه من الخطأ النظر إلى الانتخابات الفرعية القبلية والطائفية والفئوية، المرفوضة والمجَرَّمة قانوناً، على أساس أنها تصرفات فردية معزولة لأنها أصبحت ظاهرة عامة تدل على فشل الدولة، أي عدم قدرتها على القيام بوظائفها الاجتماعية التي لا يمكن لأحد غيرها أن يقوم بها.

ولتقريب الصورة أكثر دعونا نتساءل هنا: ما الذي يجعل أغلبية طلبة التعليم العالي سواء في الداخل أو في الخارج الذين لا تتجاوز أعمارهم بداية العشرينيات يقيمون الانتخابات الفرعية الطائفية والعائلية وليس القبلية فقط التي تعتبر الأكثر شهرة وعلانية؟ ثم هل الانتخابات الفرعية المجَرَّمة بأشكالها كافة مقصورة على الطلبة أم أنها تقام أيضاً وبتشجيع حكومي أحياناً أثناء انتخابات مجلسي الأمة والبلدي وانتخابات الجمعيات التعاونية والنوادي الرياضية والنقابات العمالية ومؤسسات المجتمع المدني؟!

إن الإجابة عن هذين السؤالين كفيلة بإعطائنا صورة لا بأس بها عن حالة الانقسام الاجتماعي العمودي الذي تتحمل مسؤوليته الحكومة أو السلطة السياسية بشكل أكثر دقة.

أما التفسير الموغل في العنصرية لأسباب الانقسامات الاجتماعية العمودية التي نرى بعض مظاهرها بين الحين والآخر، والذي ينتهي أصحابه بإيهام أنفسهم أنهم يملكون بشكل حصري صكوك الانتماء والولاء الوطنيين لتوزيعها على المواطنين، فإنه تفسير بائس يعبّر ليس فقط عن عقد نفسية عميقة إنما عن سطحية في التفكير، أيضاً... حيث يكتفي بالتعليق على بعض الأعراض أو النتائج التي تطفو على السطح بينما يتجاهل عن عمد الأسباب الرئيسة للانقسامات الاجتماعية العمودية، لذا فإنه يساهم في تشجيعها وزيادة حدتها، وهو الأمر الذي يؤدي إلى عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي وتهديد مستقبل وطننا.

back to top