المواقف والتصريحات التي تطلقها الأحزاب الشيعية هذه الأيام، تعلن رسمياً انقسامها إلى فريقين يصعب جمعهما مرة أخرى في تحالف واحد. ومن الواضح حسب اللهجة المتوجسة، التي يستخدمها فريق رئيس الحكومة نوري المالكي، وخصومه أيضاً، أن كل جبهة تحاول استكشاف ما تفكر فيه غريمتها هذه اللحظة.    

Ad

وأبرز المحطات التي تشغل الجميع هي إيران، لا بسبب نفوذها الكبير وقدرتها على ممارسة أشد الضغوط على الجميع فحسب، بل لأنه برز في الأيام الأخيرة، دور جديد يمكن أن يلعبه رجل دين بارز مقيم هناك، هو صهر المرجع الأعلى علي السيستاني، ووكيله في إيران.

وتنشغل البيوتات الشيعية هذه الأيام، برصد حركة السفر إلى طهران وقم، فالأنباء تتحدث عن سفر المالكي نفسه بشكل سري في زيارة قصيرة جداً، ونفي هذا الأمر لا يعني أن مساعدين بارزين له، لم يذهبوا إلى الجار الشرقي الكبير. ويتناقل الساسة أنباء عن سفر مقتدى الصدر إلى طهران قادماً من بيروت، حيث كان يفضل أن يمضي وقته طوال العامين الماضيين.

والأمر المثير الذي تتداوله الأوساط السياسية في بغداد، هو أن بوابات النجف التي تطالب بتغيير سياسي وخطة إصلاح، لاتزال موصدة بقوة أمام المالكي، رغم أنه حقق نتيجة مهمة في الانتخابات. ويبدو أن رفض النجف استقبال مبعوثيه في الأيام الماضية، جعله يكرر المحاولة عبر مدينة قم التي يقيم فيها السيد جواد الشهرستاني، وكيل المرجع السيستاني في إيران، وصهره. فالرجل معروف بمرونته العالية، وابتعاده قدر الإمكان عن خسارة التواصل مع أي طرف، كما أن علاقته متينة بمسؤولين إيرانيين كبار وبمكتب المرشد علي خامنئي نفسه، وهي مداخل يراهن المالكي حسب مصادر عليمة، على أن يستخدمها لـ"عرض الصلح" مع السيستاني، عبر وكيله في طهران، صاحب الكلمة المسموعة في النجف، والقادر على تليين موقفها الرافض لحصول المالكي على ولاية ثالثة.

ومن شأن أي معلومات عن اتصالات يجريها المالكي مع وكيل المرجعية في إيران، أن تشيع القلق لدى معارضي المالكي، لأن موقف النجف المتماسك هو الذي يراهنون عليه لصناعة توازن مع ضغوط طهران في ملف تشكيل الحكومة المقبلة. إلا أن التطور الجديد الذي يتناقله أكثر من طرف منذ مطلع الأسبوع، أن الرئيس الإيراني حسن روحاني، وعلى غير العادة، دخل على خط الملف العراقي الذي بقي سنواتٍ من الاختصاصات الحصرية لحرس الثورة وبيت المرشد.

والرواية تقول إن روحاني فاتح المرشد خامنئي بأن نجاحه في تحقيق تقدم على مستوى المفاوضات النووية مع القوى الكبرى، وتعزيز الآمال بتخفيف العقوبات الاقتصادية على طهران، رهن بمجموعة خطوات، على رأسها أن يثبت الإيرانيون "حسن النوايا" في الملف العراقي. ويبدو أن روحاني يخشى من رغبة حرس الثورة وعلى وقع الملف السوري، في دفع المالكي إلى التعامل بشدة أكبر مع السنة العراقيين، الذين يقولون إن بقاء المالكي في السلطة سيجبرهم على قرارات مؤلمة مثل إعلان الإقليم السني، انطلاقاً من الموصل. وهذا ما يعتبره روحاني مانعاً أمام مستويات التهدئة الضرورية التي تتطلب في الوقت الحاضر، توجيه رسائل مرنة إلى السعودية من جهة، وإلى القوى الكبرى من جهة ثانية.

وإذا نجح روحاني في دعم مساعي مقتدى الصدر وعمار الحكيم ومرجعية النجف، إلى تقديم شخصية شيعية معتدلة تطلق حوار تهدئة عراقياً ومع السعودية وتركيا، فإن هذا يعني أن "معتدلي الشيعة" سيحصلون على فرصة نادرة في بغداد وطهران، للحد من غلواء جنرالات حرس الثورة، الذين تثير اندفاعاتهم، من لبنان إلى الأنبار، اعتراضات واسعة في أوساط رجال دين يعتقدون أن طهران استغلت بشكل مأساوي، تفكك القوى الشيعية وبساطة الجمهور الذي يزج في حروب ومواجهات بلا نهاية، مع الجميع.