لن أتفاجأ إذا سمعت أن أحد أنصاف المحامين رفع دعوى أمام الشامخ لتغيير "جمهورية مصر العربية" إلى "دولة مصر العسكرية"... ولا إذا تحولت وزارة الإعلام إلى إدارة تابعة للشؤون المعنوية للقوات المسلحة، وتحولت وزارة الصحة إلى كتيبة طبية تابعة للفرقة الرابعة بالمنطقة العسكرية المركزية.

Ad

لا تتعجب عزيزي القارئ فكل ذلك ورغم بعده التام عن العقل والمنطق فإنه ممكن الحدوث ومتوقع في ظل العبث والبلاهة السياسية التي تعيشها مصر هذه الأيام، والتي أصبح نشيدها القومي "لخبط لخابيط... شخبط شخابيط" (تم تغيير شخص رئيس الوزراء مع الإبقاء على 20 وزيراً!!) لقد تأكد أن من يمسكون بالحكم مجموعة من الصغار لا يدركون ماذا يفعلون ولا يعرفون لمصر قيمتها ومكانتها، وأصبحت أكذوبة جهاز علاج الإيدز فضيحة مهنية وأخلاقية وإنسانية على مستوى العالم كله، وأصبح الممرض معالج الأعشاب مخترعا عظيما ولواء في الجيش يحمل وسام 30 يونيو!! وقد ينال نوبل العسكرية "السيسي- منصور وشركاهم"، وأصبح تولي القوات المسلحة لجميع المهام في البلاد من صنع الخبز والمعكرونة لعلاج الفشل الكبدي أمرا حتميا وقدرا مفروضا علينا.

     من التهم التي رفعت في وجه الرئيس مرسي "أخونة الدولة"، ورغم ضبابية الشعار وعدم صدقه كما سبق أن ذكرت فإنه يعني تولي الأعضاء المنتمين إلى الإخوان مناصب في الدولة، أما ما يتم الآن فهو أسوأ بكثير... فما يتم الآن هو محاولة مستميتة من الانقلابيين وإعلامهم الراقص على "عسكرة العقول" وإجبار المواطنين على التفكير في اتجاه واحد تمجيدا للجيش والحديث بلسان واحد تسبيحا بحمد الجيش والنظر بعين واحدة لا ترى إلا الجيش.

من المعلوم أن الحياة العسكرية والمنتمين إليها في كل دول العالم تتميز بصفات جيدة كثيرة كالضبط والربط والالتزام الصارم بالمواعيد والشجاعة والإقدام، ولا يقل فرد القوات المسلحة في مصر عن نظيره في أي مكان، بل قد يفوقه التزاما وشجاعة وإقداما، وكل ذلك حسن جميل نعترف به ونقدره له، ولكن هناك للأسف صفات يختص بها العسكري المصري ويحرص القادة في القوات المسلحة على زرعها بداخله فور انتسابه إليها، وهي أنه الأكثر وطنية والأشد حبا لمصر والأعلى تضحية من أجلها، وكأنما التضحية وحب الوطن يرتبطان فقط بالزي العسكري، وهذا المفهوم المغلوط والمدمر من خلال التربية العسكرية الخاطئة يريدون فرضه الآن على المجتمع كله وهذا أمر مرفوض تماما.

فيا عزيزي فرد القوات المسلحة المصرية (قائدا كنت أو ضابطا أو جنديا) عذرا لست الأكثر وطنية ولا حبا لمصر من أخيك وجارك وصديقك المدني طبيبا كان أم مهندسا أو فلاحا وعاملا، فجميع هؤلاء لا يقلون عنك حبا وانتماء إلى مصر وتضحية من أجلها.

عزيزي فرد القوات المسلحة تخلص من أوهامك واحذر أن تتمكن منك تلك الفكرة العنصرية البغيضة.

والجزء الآخر من التربية العسكرية الخاطئة التي يحرص القادة على زرعها في نفوس أفراد القوات المسلحة أنهم ليسوا فقط الأكثر وطنية وتضحية، بل إن لهم جميلا وفضلا على الشعب المصري، ويجب أن يقر المصريون جميعا بذلك ويلهج لسانهم ليل نهار بالحمد والشكر لهم، فلولاهم لانهارت مصر واختفى الوطن... لا يا سادة وألف لا لستم الأكثر وطنية ولا جميل لكم علينا، ولكنكم تؤدون دوركم وعملكم الذي اخترتموه برغبتكم ولم يجبركم أحد عليه، كما يؤدي أيضا غيركم دوره الذي اختاره من أجل بناء الوطن والمحافظة عليه.

 أما ما أدخلتم أنفسكم فيه بالقوة والانقلاب ودور سياسي فمن الأصل لا يحق لكم التدخل في الشؤون السياسية، ولم يكن تدخلكم إلا حماية لأنفسكم ومصالحكم وإمبراطوريتكم الاقتصادية، ولكن هذا حديث طويل لا يتسع له المقال الآن.

وإلى مقال آخر إن كان للحرية متسع.