«المتحوِّلون» في السينما المصرية... قضية اجتماعية أم مشاهد هزلية؟

نشر في 28-10-2013 | 00:01
آخر تحديث 28-10-2013 | 00:01
تناولت أعمال سينمائية مصرية كثيرة فكرة تحول الذكور إلى إناث والعكس، فاختلفت في الهدف وطريقة عرض هذا التحوّل واتفقت في محاولات صانعيها الثبات على الفكرة رغم بعض العثرات في تنفيذها.
أبرز الأفلام المصرية التي تناولت المتحولين «الآنسة حنفي» من بطولة إسماعيل يس وشادية، «السادة الرجال» من بطولة معالي زايد ومحمود عبد العزيز، «بنات العم» من بطولة الثلاثي أحمد فهمي وهشام ماجد وشيكو، وأخيراً «هاتولي راجل» من بطولة شريف رمزي وأحمد الفيشاوي وإيمي سمير غانم ويسرا اللوزي.

فكرة مختلفة

 يوضح كريم فهمي مؤلف «هاتولي راجل» أن الفيلم مختلف عن غيره من أفلام تناولت هذا الموضوع، من ناحية تركيزه على فكرة الهرمونات الأنثوية التي ألقتها إحدى الدول الأوروبية في المياه إبان الحرب العالمية الثانية، بغرض إنشاء مجتمع جديد من دون الذكور الذين تسببوا في اشتعال الحروب، ما أثر بالتبعية على المواليد الذكور، وأدى إلى تبادل المناصب بين الرجل والمرأة التي أصبح لها شأن كبير، في مقابل تراجع حقوق الرجال بعدما أصبح المجتمع «أنثوياً»، وواجهوا أطماعاً عدة... ويبرز ذلك كله من خلال ثلاث قصص يستعرضها الفيلم.

يضيف فهمي أن هدفه من وراء هذا الواقع المعكوس تحسس الرجل والمرأة الحياة المختلفة والظروف المجتمعية التي قد تشكل ضغطاً على أحدهما، ليقدّرا مواقع بعضهما البعض.

يتابع: «المشهد الذي قدمته مع إيمي سمير غانم باعتبارها زوجتي حينما طلبت منها أن أنزل حمام السباحة، فرفضت ثم وافقت شرط أن ترى لباس البحر الذي سأرتديه لتتخذ قرارها، هو نفسه الذي يحدث بين الزوج وزوجته في الحقيقة، ويمكن تطبيق الأمثلة المعروضة في الفيلم على العلاقات بين الرجل والمرأة في الواقع بعد تبادل الأدوار».

كوميديا هزلية

 

يعتبر الناقد د. وليد سيف أن فكرة التحول الجنسي تستخدم في الكوميديا على سبيل الهزل لإثارة الضحك، وقد تعبر أحياناً وبشكل ساخر عن مشكلة اجتماعية وحالة انفصام اجتماعي.

يضيف: «وظف صانعو فيلم «هاتولي راجل» فكرته بذكاء وبأسلوب ساخر رفيع المستوى، ساعد على تحقيق هدفه، من خلال تبادل المواقع بين الذكر والأنثى، ليدرك المشاهد ما يواجهه كل منهما؛ فيبدأ الرجل على سبيل المثال النظر إلى الدنيا من منظار آخر، ويدرك مدى قسوة المجتمع على المرأة، والقهر الذي يمارس ضدها، ما يكسب الفيلم أهمية ويمثل انتصاراً لقضية المرأة».

يشيد سيف ببعض اللفتات الإخراجية في «هاتولي راجل»، أبرزها عدم اهتمامه بالمظهر الخارجي للأبطال، كأن يرتدي الرجل ملابس المرأة أو العكس، وتركيزه على تبادل الأفعال والتصرفات، «اللافت في هذا السياق أن الممثلات المشاركات فيه لم يرتدين ملابس الرجال، وجاء التفنن في أنهن سيدات بكامل أنوثتهن يتصرفن كالرجال، هذه فكرة متطورة، ووجدت صدى لدى الجمهور، على عكس الأعمال الأخرى، لأن النماذج المعروضة فيها حقيقية، وعرضت بشكل كوميدي خفيف مقبول، فمثلا الزوجة صاحبة السيطرة والسلطة على زوجها موجودة في المجتمع المصري بنسبة لا يمكن إغفالها».

قضية المرأة

«هاتولي راجل» أحد الأفلام العظيمة التي عبّرت عن وضع المرأة المصرية تحديداً والعربية عموماً، برأي الناقدة حنان شومان، مشيرة إلى قلة الأعمال التي ناقشت فكرة التحوّل الجنسي بين الذكر والأنثى.

تضيف: «منذ الخمسينيات حتى اليوم. أي خلال ما يزيد على 60 عاماً قدمت السينما المصرية ثلاثة أفلام فحسب تناقش هذه القضية: «الآنسة حنفي»، «السادة الرجال»، «هاتولي راجل»، ويخرج من بينها فيلم «بنات العم» لأن الهدف منه مختلف عن الأفلام الثلاثة».

تتابع: «باستثناء ذلك قُدمت تجارب باستحياء ومن دون تحوّل منها: «الأستاذة فاطمة»، أرادت فيه فاتن حمامة إثبات قدرتها كامرأة في المهن كافة، حتى أصبحت محامية تترافع في المحاكم. «بنات حواء» الذي جسدت فيه مديحة يسري شخصية عصمت، رئيسة إحدى الجمعيات النسائية التي لا تعترف بوجود الرجل».

تبرر شومان قلة هذه النوعية من الأفلام بافتقار السينما إلى الفكر والمغامرة والاقتصاد؛ «لا يوجد فكر حقيقي يعبر عن وضع المرأة، من السهل الحديث عن القضايا والمشكلات التي تواجهها، لكن من الصعب تحويلها إلى عمل فني، لأنه يحتاج إلى فنان متميز. وقد يملك فنانون شباب أفكاراً مبدعة لكن الفرص قليلة، كذلك الأمر بالنسبة إلى المنتجين المغامرين، ويضاف إلى ذلك انحدار حال صناعة السينما، واقتصار الإنتاج على السبكي الذي، رغم الانتقادات التي أوجهها لأفلامه، إلا أنه المنتج الوحيد المستمر في عمله في ظل تراجع المنتجين الكبار الذين كونوا ثروتهم من السينما».

تأسف شومان لوجود «هاتولي راجل» في ذيل قائمة الإيرادات، مؤكدة أنه ظلم نتيجة عرضه مع أفلام السبكي التي أهانتها وسائل الإعلام وأهملت هذا الفيلم، ما يؤدي إلى عدم تشجيع الإنتاج الجيد في مقابل تقديم دعاية مضادة لأفلام الاسكتشات الغنائية الراقصة منها «عش البلبل».

تتساءل: «أمام هاتين التجربتين لا نعلم ما إذا كان الجمهور بحاجة إلى أعمال خفيفة لهذا ابتعد عن الجادة، أم أن الجادة لم تكن على المستوى المطلوب؟

فانتازيا وخيال

يُدرج الناقد نادر عدلي هذه الأعمال السينمائية ضمن الفانتازيا من خلال استخدام الواقع في الخيال وكتابة قصة لن تحدث، في الغالب، لكنها تضع عدسة مكبرة على مشاكل المرأة في المجتمع.

يشير إلى وجود فرق بين «الآنسة حنفي» و»هاتولي راجل»، «الأول كان مخرجه الراحل فطين عبد الوهاب معنياً بقضية المرأة عموماً، لذا قسّم الفيلم إلى جزأين: الأول يمارس فيه إسماعيل ياسين سلطته على شقيقته الصغرى ماجدة فيمنعها من الخروج وفتح النافذة وغيرها من تحكمات، والثاني نشاهد فيه معاناة هذا الرجل، بعدما تحول إلى امرأة، من الظروف نفسها التي فرضها على  شقيقته ويشعر بمدى قسوته عليها.

في المقابل، يرى عدلي أن القيمين على «هاتولي راجل» استغلوا فكرة التحول الجنسي في صناعة إفيهات جنسية مباشرة أو إيحاءات لها، باعتبار أنه عمل تجاري، يجب أن يشتمل هذه الأمور، ليجذب الجمهور، ما يبرز الفرق بين فيلمين أحدهما مهذب يطرح فكرة، والآخر ينفذها لتحقيق عائد مادي من دون وجود قضية حقيقية.

back to top