لم يطأ جسد سعيد أباظة الفراش طيلة تلك الليلة. ثم نهض فجأة، تذكر أنها الليلة الأولى من ليالي شهر رمضان المبارك، فاستطاع بصعوبة أن يأخذ شربة ماء قبل أن يصعد صوت المؤذن إلى السماء إيذانا ببدء صوم الشهر الكريم. وما إن ظهر أول ضوء للنهار حتى ارتدى ملابسه العسكرية واتجه إلى بلدته في الشرقية، فلا يستطيع بحال من الأحوال أن يتأخر عن حضور إفطار اليوم الأول مع كل أفراد العائلة برئاسة السيدة زينب، التي أعدت له مفاجأة من نوع خاص.

Ad

لم يستطع سعيد أن يصارح والدته بما حدث له، فهو يعرف تقاليد العائلة، والأكثر أنه يعرف زينب أباظة جيداً، ويعرف أنها إذا علمت بأمر هذا الحب الوليد، واتخذت قراراً، فلن تعود فيه مهما كانت العواقب، فمن المؤكد أن لديها قلباً كبيراً، غير أنها لا تفكر به، ولا مكان فيه للمشاعر والأحاسيس.

 لم تكن تعرف سوى أن تأمر فتطاع، فقرر أن يلتزم الصمت حتى تنتهي إجازته. حتى جلسات الأسرة في سهرات ليالي رمضان، التي كان يحرص ألا يفوت إحداها، لم يحضر واحدة منها، حتى لاحظت الأم ذلك فكان لا بد من أن تعرف سبب العزوف عن سهراتهم، وسر الجلوس بمفرده، وفي الوقت نفسه تزف إليه المفاجأة التي أعدتها له:

* مالك يا حضرة الظابط مش عوايدك؟ من ساعة ماجيت وأنت قاعد لوحدك وسرحان. بتحب ولا إيه؟

- هه. إيه؟ أبداً... مافيش حاجة.

* بيقولوا إن بنات المنصورة حلوين أوي يمكن واحدة منهم وقعتك؟

- بنات إيه وحب إيه يا نينة؟ أنا برضه بتاع الحاجات دي. وبعدين شغلي واخد كل وقتي. مش مخليني حتى أشوف البلد شكلها إيه.

* عفارم سعيد عفارم. علشان كدا أنا محضرالك مفاجأة هاتنبسط منها أوي.

- مفاجأة؟ علشاني أنا؟ خير يا نينة؟

* شوف يا سيدي. أنا قررت أنك تتجوز بقى.

- إيه؟ أتجوز... أيوا. أنا يعني... طيب... هو... إزاي لكن بس.

* إيه على مهلك شوية يا حضرة الظابط. هي المفاجأة لخبطتك أوي كدا؟ أيوا تتجوز. أنت دلوقت ظابط كبير وبكرة تبقى بكباشي... وأي بنت تتمناك.

- أيوا. يعني هو حضرتك تقصدي حد معين؟

* طبعاً... أنت فاكر أني هأسيبك تحتاس... ماتخافش أنا بكرة عازمة على الفطار سعاد هانم أباظة وبنتها أنجي، ودولت هانم أباظة وبنتها عليا ونعمت هانم...

- أباظة... برضه.

* طبعاً بنات الأباظية أولى بيهم رجالة الأباظية... وأنت دلوقت خيرة رجالة الأباظية. أنت مش هاتعمل حاجة. هاتقف بس ورا الباب دا وتبص بس وتشاور على اللي عاجباك.

- أيوا يا نينة بس أنا من رأيي نخلي الموضوع دا الإجازة اللي جاية.

* رأيك؟! مافيش كلام من دا. أنا عزمت الناس خلاص. ولا عايزهم يقولوا إن زينب أباظة ماعرفتش تربي.

- بس يا نينة أنا عندي قضية مهمة شاغلة كل تفكيري اليومين دول. خليها الإجازة الجاية أكون مستعدا.

* أنا مش بقولك تختار وتتجوز بكرة... أنت هاتشوفها بس. وبعدين نتكلم في الترتيبات التانية.

شاهد سعيد «عرض الفتيات» الذي قامت به والدته، فلم يعلق. حاولت أن تنتزع منه اعترافاً بإعجابه بإحداهن، غير أنه أرجأ رأيه إلى الإجازة التالية، فقد انتهت إجازته وعاد سريعاً إلى المنصورة، حاول أن يفرغ نفسه للبحث عن «الطيف» الذي مر بحياته كالحلم، لكنه فشل. بحث عنها في كل مكان، غير أنه لم يكن ليجرؤ على أن يخبر أحداً عما يبحث، اعتاد أن يمر بجواده كل يوم وفي الموعد نفسه عله يلتقي بها يوماً، لكن من دون جدوى. حتى مرَّ شهر رمضان سريعاً، من دون أن يكون لها أثر.

كان عليه أن يؤمن وبقية أفراد وضباط المأمورية الحدائق والميادين والمنشآت خلال أيام عيد الفطر، لكنه لم يكن يعود إلى المأمورية كبقية زملائه الضباط في نهاية خدمته، فالأمل لا يزال يراوده، وقلبه يحدثه أنه سيعثر عليها، فكان يبحث عنها في الشوارع والحدائق ما بعد موعد الخدمة، ما جعل المأمور يظن أنه متفان في عمله أكثر من زملائه الضباط، فقرر أن يكافئه باصطحابه معه إلى الحفلة التي تقيمها الجاليات الأجنبية، من اليونانيين والإيطاليين والأرمن، مشاركة منهم في الاحتفال بعيد المسلمين. حاول سعيد أن يعتذر من شدة التعب والإرهاق، غير أن المأمور لم يعطه فرصة. طلب منه بصيغة الأمر العسكري، أن يعود لسكن الضباط، يبدل ملابسه العسكرية ويرتدي ملابس مدنية ويلحق به إلى «نادي  الموسيقى»، ذلك النادي الذي يطل على «بحر النيل»، وخلال الأيام العادية بعيداً عن الأعياد يشهد تجمع الموسيقيين من كل ربوع مصر، يوم الثلاثاء من كل أسبوع، ليقيموا سهرة موسيقية أسبوعية، تقدم فيها أنواع الموسيقى كافة بداية من «البشارف»، مروراً «بالسماعي والدور»، وصولاً إلى «الطقطوقة»، حيث كان يسهر أهالي المنصورة حتى الساعات الأولى من الصباح، يستمعون إلى الموسيقى والغناء، فقررت الجاليات الأجنبية إقامة احتفالها بعيد الفطر فيه.

بشرى الحب

ذهب سعيد إلى الاحتفال مضطراً، غير أنه لم يكن يدري أنه يحمل له البشرى التي حلم بها طيلة أيام وليالي شهر رمضان، فما إن دخل إلى النادي حتى تلاقت أعينهما. لم يصدق نفسه، فمن ظل يبحث عنها شهراً كاملاً يجدها أمامه بهذه السهولة وجهاً لوجه!

ابتسمت له، وعندما هم أن يقترب منها، عزفت الموسيقى، وخطفها شاب إيطالي يراقصها، لم تفارق عيناه عينيها، ينظر إليها، فيما تنظر إليه عيون غالبية فتيات النادي، لكنه لم يعر عينا أخرى اهتماما. وما إن انتهت الموسيقى، وانطلقت معزوفة أخرى حتى سارع واقترب ليخطفها للرقص قبل غيره، وكأنما كانت في انتظاره، مثلما كانت حاله:

* «أيوتا»... أنت؟!

- أيوتا أنا... بس معناها إيه أيوتا دي؟!

* هاهاها. دي كلمة إيطالي معناها بالمصري «معقول... مش ممكن». حاجة زي كدا يعني.

- أفهم من كدا إن الجمال دا كله إيطالي.

* بس تعرف أن شكلك كان يجنن وأنت بالبدلة العسكرية.

- لو عارف أنك هاتكوني هنا كنت لبستها... ولو أعرف أنها بتعجبك أفضل لابسها الأربع وعشرين ساعة. وأنام فيها كمان.

* مش للدرجة دي... بعدين تيجي مكرمش.

- فدا نظرة من عنيكي اللي بتسحر دي.

* لا لا... أنا مش أد الكلام دا... أنت باين عليك شقي أوي.

- وأنا طفل صغير كنت بسمع من جدتي حكاية «ست الحسن والجمال» كانت تقعد تحكي عنها وتوصف في جمالها... ملامحها اتحفرت في خيالي. وقعدت عمري كله أدور عليها... لحد ما شوفتك أول مرة... ساعتها اكتشفت أن الخيال أصله حقيقة عاشها ناس قبلنا.

* مش ممكن أنت بتقول شعر بالمصري. أنا ممكن أدوخ من الكلام الحلو دا.

- دا أنا اللي دخت من سحر جمالك... بس أنا ملاحظ إنك بتتكلمي مصري كويس أوي.

* علشان أنا جيت مصر وأنا خمس سنين... واتعلمت في مدارس مصر... وعشت الصبا والشباب هنا في المنصورة. بابا «لويجي بورجو نجينو» مفتش تلفونات المنصورة.

- كدا أنا عرفت اسم بابا... ممكن أتشرف باسم سمو البرنسيس.

* تريزا.

- وأنا سعيد بغدادي أباظة من عيلة الأباظية... في الشرقية.

لم ينته اللقاء إلا وسهم «كيوبيد» قد أصاب قلبيهما وتمكن منهما، تبعت اللقاء بالمصادفة، لقاءات عدة مرتبة، اعتادا أن يلتقيا كل ليلة، يسهران يرقصان يستمعان إلى الموسيقى، حتى ازداد الحب اشتعالاً في قلبيهما، لم يعودا يفترقان، وليس في مقدورهما ذلك، فقررا أن يوثقا هذا الارتباط إلى الأبد، قررا الزواج.

اتخذا القرار الذي ظنا أن فيه سعادتهما، ولم يظنا أنه سيجلب عليهما مصاعب عدة، وربما الأهوال، حيث قرر كل منهما أن يفاتح عائلته بأمر الحب الوليد، ورغبتهما في تكليله بالزواج.

رفض قاطع

كان اجتماع عاصف لتريزا مع عائلتها، رفض والداها بشكل قاطع، ليس لأنه مصري وهي إيطالية، بل لأنه مسلم وهي مسيحية كاثوليكية... غير أنهما فشلا في إقناعها، وفشلت هي أيضاً في إقناعهما، فأحالا أمرها إلى رئيس الجالية الإيطالية في المنصورة، ربما استطاع إقناعها. غير أن الجميع اكتشفوا عدم جدوى إقناعها والحوار معها، فقرروا أن يسلكوا طريقاً آخر، وهو محاولة إقناع الطرف الثاني «سعيد» فربما تفهم موقفهم وآثر السلامة وابتعد عن ابنتهم. غير أن الطرف الثاني كان عليه أن يواجه معركة شرسة لا هوادة فيها، فإذا كانت الجالية الإيطالية غضبت من موقف تريزا وحاولوا إقناعها بالتفاوض، فإن العائلة الأباظية لا تتفاهم، ولا تتفاوض، خصوصاً السيدة زينب أباظة، تأمر فتطاع، دون نقاش أو تفاهم:

* أنت اتجننت يا ولد... عاوز تتجوز بنت أجنبية.

- يا نينة الدنيا اتغيرت. ما شوفتيش البنات خرجوا إزاي قبل الرجالة في ثورة 19، البنات دلوقت لازم توافق على الراجل اللي هاتتجوزه... ما بالك بالراجل.

* أنت فاكر علشان لبست البدلة دي يبقى لك الحق تقف قدامي وتكسر كلامي.

- ماقدرش أكسر كلامك يا نينة. لكن أنا قصدي أقولك الدنيا اتغيرت... وبعدين دي مش أجنبية. دي عايشة في المنصورة من ساعة ما أتولدت وبتتكلم مصري أحسن مني.

* هي علشان بتتكلم مصري بقت مصرية. أنت مش عارف أنت مين ومن عيلة مين؟ وبعدين أنت ناسي يا حضرة الظابط أن الست اللي بتتكلم عنها دي مسيحية وأنت مسلم؟

وجد سعيد أن الحوار مع والدته مجرد عبث لا طائل فيه، وأن ما يفعله مجرد مماطلة وإضاعة أجمل أيام العمر، فقد قدمت تريزا أهم برهان على حبها وضحت للنهاية، وواجهت حرباً شرسة وأشهرت إسلامها، ووصلت إلى حد المقاطعة النهائية من عائلتها، ومن الجالية الإيطالية، فيما هو لا يزال حريصاً على اسم العائلة يحاول إقناعهم حتى لا يغضبهم، في الوقت الذي لم يعد هناك غيره في هذه الدنيا لحبيبته «ليلى»... فتجرأ سعيد واتخذ قراره بالزواج منها، مهما كانت العواقب.

لم تكن السيدة زينب أباظة غافلة عن كل خطوة يقوم بها ابنها، عبر مجموعة من رجالها، جندتهم لمراقبة كل تحركات سعيد، وما إن علمت بأمر موعد زواجه حتى قررت تغيير الخطة التي وضعتها في اتجاه آخر، وسارعت بإرسال برقية إلى سعيد في يوم الزواج نفسه جاء فيها: «ولدنا الحبيب... علمنا بأمر عزمكم على الزواج من ابنتنا ليلى. نهنئكم وننتظركم اليوم للاحتفال بزواجكما وسط الأهل والعائلة ببيتكم في الشرقية».

لم يصدق سعيد ما قرأه في البرقية، شعر وليلى أنهما اقتنصا كل ما حولهما من سعادة، ليسعد كل منهما الآخر. غير أن سعادتهما لم تدم بمجرد أن وطأت أقدامهما بيت العائلة. كان هناك مخطط جديد استعدت له السيدة زينب أباظة. قررت أن تمارس الضغط والقهر عليهما منذ ليلة زواجهما الأولى، وإيداع كل منهما في حجرة منفصلة، لا يلتقيان إلا في حضرتها. جندت كل من في البيت وخارجه لمراقبتهما والحيلولة دون أن يختليا ببعضهما البعض، كي لا يتم الزواج وتجد نفسها أمام أمر واقع. ثم بدأت تمارس عليه الضغوط لأجل أن يطلقها، لكنه رفض بإصرار وتحد. ولم تكن السيدة زينب تتعجل الأمور، لم يكن لديها مانع من أن يستمر هذا الأمر لأشهر أو حتى لعام كامل. المهم أن تحقق النتيجة التي تسعى إليها، ومن دون أن يلمس أي منهما يد الآخر.

أفلحت حيلة الأم خلال الأسبوع الأول من الزواج، غير أن سعيد لم يكن ليستسلم، كان يفكر ويخطط ويدبر أيضاً، وخلال الأسبوع الأول استطاع أن يكسب ود وعطف بعض من يعملون لدى الأم، بل وأشركهم معه في ما يخطط له، وتحين الجميع فرصة غياب الأم عدة ساعات عن البيت، وقرروا إتمام زواج العروسين، وهو ما حدث فعلاً، فكانت الثورة التي اجتاحت كل ما في طريقها.

قررت الأم طرد جميع العاملين في البيت، وقبلهما سعيد وليلى، فلم يعد ثمة داع لاحتجازهما بعدما وقع المحظور وأتما زواجهما، مع فرمان بمنع المعونة الشهرية التي كانت ترسلها إليه، والتهديد بالحرمان من «الميراث» إذا ما استمرت هذه الزيجة. فلم يكن أمام العروسين سوى العودة إلى المنصورة، حيث لا يوجد «بيت زوجية» يمكن أن يجمعهما، فقرر سعيد أن تعود ليلى إلى بيت أسرتها بشكل موقت إلى حين تأثيث بيت زوجية، على أن يعود هو إلى مساكن الضباط.

طلاق

لم يكن الراتب الشهري الذي يتقاضاه سعيد يسمح له بتأثيث بيت زوجية، واكتفيا بلقاء عابر بين الحين والآخر في أحد الفنادق الصغيرة المنتشرة في المدينة، وهو الوضع الذي لم يكن يرضي أسرة ليلى وأثار سخط أفرادها بشكل دائم. حتى انتقلت العدوى إلى ليلى بمرور الوقت، وتحولت لقاءاتهما إلى شكوى دائمة، وإثقاله بالمطالب التي لم يعد قادراً على تلبيتها بعد انقطاع الراتب الشهري الذي يصله من والدته، وتراكمت عليه الديون، وشعرا أن الأقدار تلعب دوراً قاسياً ضدهما، حيث انطفأت جذوة الحب وفترت الأحاسيس، ومع ازدياد الضغوط المادية، وأمام الحصار الذي فرضته زينب أباظة، من ناحية، والجالية الإيطالية من ناحية أخرى، اضطرت ليلى أن تطلب ما لم يتوقعه سعيد بهذه السرعة:

- طلاق! أنت بتقولي إيه؟ إحنا ماكملناش 100 يوم متجوزين.

ـ وهو اللي إحنا فيه دا بتسميه جواز؟ سعيد... إحنا حاولنا لكن الظروف كلها كانت ضدنا. ومش هانقدر نقف أكتر من كدا قدام الطوفان... أنا مش حاسة إني إنسانة متجوزة وليا حقوق... بتقابلني في لوكاندة زي بنات الليل. بنسرق لحظات السعادة كأنها مش حقنا. أنا مش قادرة يا سعيد... طلقني... طلقني.

أمام إلحاح ليلى لم يجد سعيد أمامه سوى أن يتخلى عن حبه وحلم حياته، ويخضع لكل الظروف، ويضع نهاية لهذا الحب الذي لم تُكتب له الحياة... وتم الطلاق بين الزوجين قبل مرور أربعة أشهر على زواجهما... ليملأ الحزن قلبهما، وتعم السعادة قلوب العائلتين... الأباظية والإيطالية. غير أن الحزن لم يدم، والسعادة لم تكتمل، فلم يمر أسبوع من الطلاق، حتى علم سعيد أن ليلى حامل في شهرها الثالث، كاد عقله أن يطير من الفرح، حاول أن ينتهز هذه الفرصة لإعادة الحياة الزوجية بينه وبين ليلى، غير أن الجالية الإيطالية لم تترك له الفرصة. لتمر أشهر الحمل من دون أن يراها سوى مرات تعد على أصابع اليد حتى وضعت ليلى حملها وأصبح سعيد أباً لذكر... أحدث عضو ينضم إلى العائلة الأباظية... رشدي أباظة.

البقية في الحلقة المقبلة

تريزا مسلمة

وقف سعيد أباظة عاجزاً أمام العقبة الأخيرة التي فجرتها والدته، فلم يستطع أن يجادل فيها والدته، رغم أنه لا توجد موانع شرعية، يمكن أن تمنع زواج المسيحية من المسلم، فلم يكن ذلك يشغله، أو يشغل تريزا، فالمهم هو الحب.

عاد إلى المنصورة، صارح تريزا بموقف عائلته والأهم موقف السيدة زينب أباظة، في الوقت نفسه كان الإصرار على الرفض هو سيد الموقف لدى الجالية الإيطالية، وجد سعيد وتريزا الأبواب كافة موصودة في وجه حبهما، تحاصرهما كلمة «مستحيل» من الجانبين، وإن كان الجانب الإيطالي أقل عنفاً وثورة ويمكن التفاوض معه، على عكس الجانب الأباظي الذي يصر على موقفه، مهما كانت العواقب. لذا وجدت تريزا أنه من الأنسب أن تقدم هي خطوة مهمة للتنازل، فربما زلزلت هذه الخطوة الرفض الأباظي، وألانت الحديد الذي في الرؤوس. اتخذت قراراً صعباً وخطيراً على أي إنسان، غير أنه كان تضحية منها لأجل الإبقاء على الحب، قررت تريزا أن تشهر إسلامها. لم يصدق سعيد ما قالته وأصرت عليه، وطلبت منه أن يصطحبها إلى «الأزهر الشريف» لإشهار إسلامها وتسلما الوثيقة التي تؤكد ذلك.      

أخذ سعيد الوثيقة في يده واتجه بها من فوره إلى والدته وهو على ثقة أنها ستنهار أمام هذه الخطوة الإنسانية الكبيرة التي قامت بها تريزا التي أصبحت مسلمة تدعى «ليلى»، لكن حتى ذلك لم يشفع لهما عند زينب أباظة:

* أنت لسه ماشلتش الموضوع دا من دماغك؟

- يا نينة بقولك أسلمت علشان خاطري.

* دا لعب عيال... أنا مش ممكن أسيبك تلعب بالنار. وعلى العموم أنا خلاص كلمت دولت هانم علشان نخطب بنتها عليا.

- نينة أنت كدا بتحكمي عليّ بالموت.

* ارحم من أنك تحط اسم العيلة في الوحل.